الخميس، 19 مارس 2015

محمد كريم.."قاهر الفرنسيين"- بقلم: الطيب أديب




 من أبطال العرب:
                                  
                  محمد كريم.."قاهر الفرنسيين"
                            
                                 بقلم: الطيب أديب

                                                      ***************



ولد السيد محمد كريم بحي الأنفوشي بالإسكندرية في  منتصف القرن الثامن عشر تقريبا . ونشأ يتيماً فكفله عمه وافتتح له دكاناً صغيراً في الحي. وعرف بين أهل الإسكندرية بوطنيته وشجاعته وأصبحت له شعبية كبيرة بين الناس لذلك اختاره  مراد بك  حاكماً للإسكندرية .

وبينما كان محمد كريم يقوم بواجبه كمحافظ  للإسكندرية ،كانت فرنسا قد أعدت عدتها فأرسلت حملتها الشهيرة إلى الإسكندرية ، ففي يوم 19 مايو 1798م أقلع أسطول فرنسي كبير مكون من 260 سفينة من ميناء طولون بفرنسا محملاً بالجنود والمدافع والعلماء وعلى رأسهم نابليون بونابرت قاصداً الإسكندرية ومر في طريقه بمالطة.. ولما بلغ الانجليز الخبر عهدوا إلى أحد قادتهم واسمه "نلسون " اقتفاء أثر الأسطول الفرنسي وتدميره فقصد "نلسون" إلى مالطة وهناك علم أن سفن  نابليون غادرتها نحو الشرق منذ خمسة أيام متجهة نحو الشرق فرجح " نلسون " أنها ذهبت إلى مصر فاتجه إلى الإسكندرية ووصل إليها يوم 28 يونية 1798 م ولكنه لم يعثر للفرنسيين  على أثر هناك يعثر . وأرسل " نلسون " وفداً إلى حاكم المدينة "السيد محمد كريم " ليسمح لأسطوله بانتظار الأسطول الفرنسي خارج الميناء و ليشتروا من المدينة ما يحتاجونه من زاد..و لكن البطل محمد كريم رفض طلبهم قائلاً : " ليس للفرنسيين أو سواهم شيء في هذا البلد فاذهبوا أنتم عنا.."

ووقف أسطول " نلسون" منتظراً في عرض البحر يوما كاملا  حتى  أقلع متجهاً إلى شواطئ الأناضول بحثاً عن السفن الفرنسية .وبعد  رحيله بأسبوع ظهر الأسطول الفرنسي أمام شواطئ الإسكندرية، وهنا أسرع السيد محمد كريم فأرسل  إلى القاهرة مستنجداً بمراد بك وإبراهيم بك.. فسار  مراد بك مع جنوده إلى الإسكندرية لصد الغزاة بينما ظل إبراهيم بك في القاهرة للدفاع عنها. وعندما  وصل الأسطول الفرنسي إلى  العجمي بشواطئ الإسكندرية في أول يوليو 1798م بادر بإنزال قواته ليلاً إلى البر ثم سير قسماً من قواته إلى الإسكندرية في اليوم الثاني ، ولم يكن بالمدينة من الجنود ما يكفي لصد الجيش الفرنسي الكبير المزود بالمعدات الحديثة..ولكن السيد محمد كريم استعد للدفاع عن الإسكندرية بكل ما لديه من ذخيرة وعتاد.. وظل يقود المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين حتى بعد أن اقتحم الفرنسيون أسوار المدينة، وبعدها اعتصم بقلعة قايتباي ومعه فريق من الجنود وعندما  فرغت ذخيرة المقاومين كفوا عن القتال فتم أسره هو ومن معه، ودخل "نابليون بونابرت "المدينة وأعلن الأمان لأهلها .

وأعجب " نابليون " بشجاعة  البطل محمد كريم فأطلق سراحه من الأسر، وتظاهر بإكرامه، وأبقاه حاكماً للإسكندرية.. ولما تم لنابليون الاستيلاء على الإسكندرية رأى أن يغادرها إلى القاهرة وعين الجنرال " كليبر" حاكماً عسكرياً عليها وزحف إلى القاهرة في 7 يوليو عن طريق دمنهور والرحمانية، والتقى في شبراخيت بفرقة من المماليك على رأسها مراد بك فهزمها ووصل إلى القاهرة يوم 21 يوليو، واحتلها بعد موقعة إمبابة وانسحاب مراد بك إلى الصعيد وفرار إبراهيم بك إلى الشام. وبقي " كليبر" على رأس حامية الإسكندرية.

وأما  البطل محمد كريم فدعا الناس  إلى المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين  واستجاب الوطنيون  لدعوته فعمت الثورة أرجاء المدينة، ولكن  "كليبر" اعتقل بعض الأعيان للقضاء على الثورة ،ومع تزايد الثورة واشتداد المقاومة الشعبية في الإسكندرية.. أمر "كليبر" بالقبض على السيد محمد كريم يوم (20 يوليو 1798م) وأرسله إلى أبي قير ونقلته سفنهم إلى القاهرة  وهناك وجه  إليه الفرنسيون  تهمة التحريض على المقاومة وخيانة الجمهورية الفرنسية،وحكموا عليه بدفع فدية  قدرها "ثلاثون ألف ريال" يدفعها إلى خزينة الجيش ليفتدي نفسه إلا أنه رفض دفعها قائلا : " إذا كان مقدوراً علىّ أن أموت فلن يعصمني من الموت أن أدفع الفدية، وإذا كان مقدوراً علىّ أن أعيش فعلام أدفعها ؟.

وفي يوم 6سبتمبر 1798م أصدر نابليون بونابرت أمراً بإعدام البطل  محمد كريم ظهراً في ميدان القلعة رمياً بالرصاص. وكان إعدامه سببا لانطلاق شرارة ثورة القاهرة الأولى ضد الفرنسيين الذين رحلوا عن مصر بعد احتلالها لمدة لم تزد عن ثلاث سنوات تكبدوا خلالها هزائم شديدة وخسائر بالغة في صعيد مصر وشمالها .

ولا يزال اسم الشهيد البطل محمد كريم رمزا للبطولة والاستبسال والفداء في حب الوطن، لذلك تسابق الوطنيون في الإسكندرية و مختلف أنحاء مصر بتكريمه برفع صورته في بيوتهم ومدارسهم وإطلاق اسمه على أكبر المساجد  والشوارع والميادين والمدارس . 
=======================
من مجموعة: ( من أبطال العرب)-صدرت عن شركة جنى للنشر-القاهرة 2011م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق