الخميس، 19 مارس 2015

محمد كريم.."قاهر الفرنسيين"- بقلم: الطيب أديب




 من أبطال العرب:
                                  
                  محمد كريم.."قاهر الفرنسيين"
                            
                                 بقلم: الطيب أديب

                                                      ***************



ولد السيد محمد كريم بحي الأنفوشي بالإسكندرية في  منتصف القرن الثامن عشر تقريبا . ونشأ يتيماً فكفله عمه وافتتح له دكاناً صغيراً في الحي. وعرف بين أهل الإسكندرية بوطنيته وشجاعته وأصبحت له شعبية كبيرة بين الناس لذلك اختاره  مراد بك  حاكماً للإسكندرية .

وبينما كان محمد كريم يقوم بواجبه كمحافظ  للإسكندرية ،كانت فرنسا قد أعدت عدتها فأرسلت حملتها الشهيرة إلى الإسكندرية ، ففي يوم 19 مايو 1798م أقلع أسطول فرنسي كبير مكون من 260 سفينة من ميناء طولون بفرنسا محملاً بالجنود والمدافع والعلماء وعلى رأسهم نابليون بونابرت قاصداً الإسكندرية ومر في طريقه بمالطة.. ولما بلغ الانجليز الخبر عهدوا إلى أحد قادتهم واسمه "نلسون " اقتفاء أثر الأسطول الفرنسي وتدميره فقصد "نلسون" إلى مالطة وهناك علم أن سفن  نابليون غادرتها نحو الشرق منذ خمسة أيام متجهة نحو الشرق فرجح " نلسون " أنها ذهبت إلى مصر فاتجه إلى الإسكندرية ووصل إليها يوم 28 يونية 1798 م ولكنه لم يعثر للفرنسيين  على أثر هناك يعثر . وأرسل " نلسون " وفداً إلى حاكم المدينة "السيد محمد كريم " ليسمح لأسطوله بانتظار الأسطول الفرنسي خارج الميناء و ليشتروا من المدينة ما يحتاجونه من زاد..و لكن البطل محمد كريم رفض طلبهم قائلاً : " ليس للفرنسيين أو سواهم شيء في هذا البلد فاذهبوا أنتم عنا.."

ووقف أسطول " نلسون" منتظراً في عرض البحر يوما كاملا  حتى  أقلع متجهاً إلى شواطئ الأناضول بحثاً عن السفن الفرنسية .وبعد  رحيله بأسبوع ظهر الأسطول الفرنسي أمام شواطئ الإسكندرية، وهنا أسرع السيد محمد كريم فأرسل  إلى القاهرة مستنجداً بمراد بك وإبراهيم بك.. فسار  مراد بك مع جنوده إلى الإسكندرية لصد الغزاة بينما ظل إبراهيم بك في القاهرة للدفاع عنها. وعندما  وصل الأسطول الفرنسي إلى  العجمي بشواطئ الإسكندرية في أول يوليو 1798م بادر بإنزال قواته ليلاً إلى البر ثم سير قسماً من قواته إلى الإسكندرية في اليوم الثاني ، ولم يكن بالمدينة من الجنود ما يكفي لصد الجيش الفرنسي الكبير المزود بالمعدات الحديثة..ولكن السيد محمد كريم استعد للدفاع عن الإسكندرية بكل ما لديه من ذخيرة وعتاد.. وظل يقود المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين حتى بعد أن اقتحم الفرنسيون أسوار المدينة، وبعدها اعتصم بقلعة قايتباي ومعه فريق من الجنود وعندما  فرغت ذخيرة المقاومين كفوا عن القتال فتم أسره هو ومن معه، ودخل "نابليون بونابرت "المدينة وأعلن الأمان لأهلها .

وأعجب " نابليون " بشجاعة  البطل محمد كريم فأطلق سراحه من الأسر، وتظاهر بإكرامه، وأبقاه حاكماً للإسكندرية.. ولما تم لنابليون الاستيلاء على الإسكندرية رأى أن يغادرها إلى القاهرة وعين الجنرال " كليبر" حاكماً عسكرياً عليها وزحف إلى القاهرة في 7 يوليو عن طريق دمنهور والرحمانية، والتقى في شبراخيت بفرقة من المماليك على رأسها مراد بك فهزمها ووصل إلى القاهرة يوم 21 يوليو، واحتلها بعد موقعة إمبابة وانسحاب مراد بك إلى الصعيد وفرار إبراهيم بك إلى الشام. وبقي " كليبر" على رأس حامية الإسكندرية.

وأما  البطل محمد كريم فدعا الناس  إلى المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين  واستجاب الوطنيون  لدعوته فعمت الثورة أرجاء المدينة، ولكن  "كليبر" اعتقل بعض الأعيان للقضاء على الثورة ،ومع تزايد الثورة واشتداد المقاومة الشعبية في الإسكندرية.. أمر "كليبر" بالقبض على السيد محمد كريم يوم (20 يوليو 1798م) وأرسله إلى أبي قير ونقلته سفنهم إلى القاهرة  وهناك وجه  إليه الفرنسيون  تهمة التحريض على المقاومة وخيانة الجمهورية الفرنسية،وحكموا عليه بدفع فدية  قدرها "ثلاثون ألف ريال" يدفعها إلى خزينة الجيش ليفتدي نفسه إلا أنه رفض دفعها قائلا : " إذا كان مقدوراً علىّ أن أموت فلن يعصمني من الموت أن أدفع الفدية، وإذا كان مقدوراً علىّ أن أعيش فعلام أدفعها ؟.

وفي يوم 6سبتمبر 1798م أصدر نابليون بونابرت أمراً بإعدام البطل  محمد كريم ظهراً في ميدان القلعة رمياً بالرصاص. وكان إعدامه سببا لانطلاق شرارة ثورة القاهرة الأولى ضد الفرنسيين الذين رحلوا عن مصر بعد احتلالها لمدة لم تزد عن ثلاث سنوات تكبدوا خلالها هزائم شديدة وخسائر بالغة في صعيد مصر وشمالها .

ولا يزال اسم الشهيد البطل محمد كريم رمزا للبطولة والاستبسال والفداء في حب الوطن، لذلك تسابق الوطنيون في الإسكندرية و مختلف أنحاء مصر بتكريمه برفع صورته في بيوتهم ومدارسهم وإطلاق اسمه على أكبر المساجد  والشوارع والميادين والمدارس . 
=======================
من مجموعة: ( من أبطال العرب)-صدرت عن شركة جنى للنشر-القاهرة 2011م.

التليفزيون، والألعاب الالكترونية يسرقان طفلي..فكيف أنقذه؟! -بقلم:الطيب أديب





 خطوة (11 )

    التليفزيون، والألعاب الالكترونية يسرقان طفلي..فكيف أنقذه؟!

                                بقلم:الطيب أديب

                           ****************

مع تنامي المد الإعلامي في ظل انشغال الآباء عن الأبناء ، أصبح الصغار يقضون وقتاً طويلاً  أمام التليفزيون والكمبيوتر والانترنت ،وارتفعت صرخات الآباء والمربين في مختلف أرجاء العالم تطالب بوضع حد أمام تنامي الطوفان الإعلامي ، الذي يسرق أطفال العصر من آبائهم  .

طفلي والتليفزيون :

لا يخلو بيت من بيوتنا من وجود جهاز تليفزيون مفتوح صباح مساء ، وكثير ما نجد الطفل يمسك " بالريموت" يقلب القنوات التي لا حصر لها يبحث عن أفلام " الكارتون " أو الأغاني الراقصة أو برامج و ألعاب مختلفة يتابعها في وجود الأب والأم أو في غيابهما، ودون توجيه منهما للطفل لاعتقادهما بأن الطفل يسلي نفسه ويكتشف العالم حوله في حين أثبتت الدراسات والتجارب في الغرب نفسه أن التليفزيون يمثل خطورة بالغة على الصغار خاصة الشريحة العمرية من سنتين إلى خمس سنوات، وهي الفئة العمرية التي تحتاج لوقت أطول للتواصل مع أفراد الأسرة لتنمية مهاراتها من خلال اللعب والحوار  في حين أن التليفزيون لا يحقق ذلك بل يجعلهم في حالة لا وعى ، لأن الطفل في هذه السن لا يفهم ولا يتذكر ما يشاهده ، ويطلقون على هؤلاء الأطفال في الغرب ( موتى التليفزيون الأحياء ) كما أن التليفزيون يمنع الأطفال في مرحلة الطفولة المتأخرة من القراءة ويسرقهم من الكتاب ، وأثبتت التجارب أن أطفال المدارس الذين يقضون وقتاً أطول أمام التليفزيون ينخفض تحصيلهم الدراسي والعكس .
* مشاهدة التليفزيون تمنع الأسرة من تبادل الحوار والتفاعل بين الآباء والأبناء
*ينصح خبراء التربية ، الآباء بإبعاد الصغارعن التليفزيون  ،أو الاكتفاء بمشاهدته لمدة ساعة في اليوم فقط ، لتجنب أضراره و حتى لا يصبح جهاز تنويم مغناطيسي ومخدر للأطفال الذين هم في حاجة للحوار مع آبائهم واللعب والقراءة وتفتح الذهن .

 طفلي و الألعاب الإلكترونية :

 ارتفعت الصيحات العالمية المحذرة من خطورة الألعاب الإلكترونية التي انتشرت كانتشار النار في الهشيم ، إذ يفرط الأطفال في التعاطي مع هذه الألعاب الإلكترونية ، التي تغرس في الصغار القيم والمبادئ الشاذة  ، وتفقدهم الانتماء وتعلمهم الإرهاب والجنس والجريمة ، خاصة تلك الألعاب ( play station) ، ورغم تحذيرات - أصحاب الضمير الحي - في بلاد الغرب من خطورة هذه الألعاب على الأطفال ، إلا أن أصحاب الشركات المنتجة لها ،لاهم لهم إلا جني الأرباح المادية والحرص على تحقيق الأهداف التي من أجلها تم تصنيع هذه ألألعاب وتصديرها بأرخص ألأسعار للدول العربية و الإسلامية ، ومن خطورتها أنها تجعل الطفل يميل إلى العنف والانطوائية وفقدان التواصل مع الآخرين ،وهناك برامج  صممت خصيصا كبرامج تسلية للأطفال لكنها في حقيقتها تعلمهم ممارسة فنون الجريمة وصناعة الدعا رة ، وقيادة العصابات وكافة أنواع الإرهاب  .

وعلى الرغم من تخوف أكثر من دولة أجنبية من هذه اللعب ومنعها وحظر دخولها أراضيها ، إلا أنها منتشرة في عدد غير قليل من البلاد العربية والإسلامية .
 * كما أن جلوس الطفل طويلاً لممارسة الألعاب الالكترونية يجعله عرضة للإصابة بتصلب الرقبة والذراعين والعمود الفقري وضعف البصر.

 ما الحـــــــــل ؟

1- فرض رقابة جيدة على ما يتم دخوله لبلادنا من هذه الألعاب ومقاطعة هذه الشركات المشبوهة ومحاسبة المتعاملين معها في بلادنا .
2- أن يقوم أصحاب الضمير الحي من أصحاب رؤوس الأموال ، وخبراء برامج الكمبيوتر، والكتاب والتربويين بالتعاون من  أجل تصميم برامج وألعاب مفيدة لأطفالنا تناسب سنهم وتغرس فيهم حب التعليم والثقافات التي تناسب مجتمعنا .
3- أن يحث الآباء أطفالهم  بعدم الإفراط في الجلوس أمام الكمبيوتر ، وتحديد وقت معين لا يزيد عن الساعة يومياً ، مع تحديد فترات زمنية يستريح الطفل خلالها من أمام الجهاز إلى مكان آخر.
4- ينبغي أن تكون إضاءة الحجرة أقوى من إضاءة الشاشة مع استخدام فلتر لشاشة الكمبيوتر ومراعاة تنظيف الشاشة باستمرار .

طفلي والانترنت :

مع تنامي طوفان العولمة ، وتقدم وسائل الاتصال الحديث  ،أصبح استخدام الانترنت ضرورة لا مفر منها ، وبإمكاننا استثمار هذه الوسيلة المريحة في التواصل مع الآخرين والاستفادة من ثورة المعلومات المتاحة عبر هذه الشبكة العنكبوتية ، ولكن ينبغي أن نتعامل معها بحذر وأن ندرب أطفالنا وننصحهم بكيفية التعامل مع الانترنت الذي بدأت دول العالم المتقدم تتخوف من سلبياته بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ، ومؤخراً أصدر خبراء التربية والتعليم الأمريكان نصائح عديدة لأولياء الأمور ومنها :
* نبه أبناءك إلى ضرورة عدم التحدث إلى الغرباء على شبكة الانترنت ، لأن بعض الغرباء يتصف بالوقاحة والخبث والإجرام أحياناً .
*علم أبناءك ألا يعطوا للغرباء أي معلومات شخصية مثل الاسم والعنوان ورقم الهاتف والعمر ودخل الأسرة ، وألا يستخدموا بطاقات الائتمان على شبكة الانترنت من دون طلب الإذن المسبق لذلك  .
*علم أبناءك أن يحفظوا كلمة السر وألا يكشفوا عنها لأحد وان كان صديقا لهم .
 *انصح أبناءك ألا يردوا على رسائل تشعرهم بعدم الراحة ، وأن يتجاهلوا مرسلها وأن يخبروك فورا بما حدث .
 *انصح أبناءك ألا يستخدموا ألفاظا خادشة أو رسائل بغيضة الى الآخرين عبر الانترنت .
 * أخبر أبناءك أن ليس كل من يتعرفوا عليه من خلال الانترنت صادق في المعلومات التي يقدمها .

 =========================



صفحات من كتابي: (طفلي –خطوة خطوة- من ميلاده حتى بلوغه) طبعه ثانية -صدرت عن دار المعرفة للنشر- القاهرة 2012م.وصدرت طبعته الأولى بعنوان: (طفلي - يوم بيوم- من ميلاده حتى بلوغه) عن دار اليقين للنشر- العام 2009م.


"الهدهد والعقرب "- قصة للأطفال - بقلم : الطيب أديب






                       "الهدهد والعقرب " ..


                       قصة للأطفال - بقلم : الطيب أديب


                          *******************

الهدهد طائر صغير الحجم ، ريشه ملون وجميل ،له تاج فوق رأسه كأنه ملك الطيور ،أما منقاره الطويل فينقر به الأرض بحثا عن الديدان . والعقرب حشرة مفزعة المنظر أرجلها عديدة ، وذنبها طويل معبأ بالسم وبه شوكة حادة في نهايته تلدغ به الكائنات فتقتلها .

وبينما الهدهد يقلب الأرض بمنقاره لينقيها من الديدان ، جاءت إليه العقرب مسرعة رافعه ذنبها ؛ اقتربت منه فتراجع الهدهد إلى الخلف قائلا : ماذا تريدين أيتها العقرب ؟

قالت : لا تخف فأ نا لن ألدغك ، وجئت إليك أعرض صداقتي لك .

قال الهدهد : وضحى كلامك أيتها العقرب أكاد لا أفهم ما تقولين ...؟
قالت: أنا أعلم أنك صديق الفلاح؛ تنقى له الأرض من الديدان مع أنه يحارب جميع الحيوانات والطيور ؛ أريدك أن تحملني وتدلني على أماكن البشر ألدغهم بذنبي هذا؛ثم تحملني وتطير بي لأعلى فلا يلحقون بي .

قال : ولكن البشر لا يتعرضون إلا للكائنات المؤذية التي تضرهم ، وأنا طائر مسالم لا أعادى أحدا ؛ ولو فعلت ما تريدين سأفقد صداقتي وحب الناس لي فيطاردونني مثلك .

قالت : سأكون جنبك دائما أحميك من الأخطار ؛تعالى خلفي لترى ما أعددته لك .
مشى الهدهد خلفها ؛فقالت العقرب : ما رأيك في هذه الوليمة الجاهزة ؟
 قلب الهدهد بمنقاره فوجد غذاءاً كثيرا .

 قالت : هل ستساعدني كما ساعدتك ؟ قال الهدهد : تعالى لنجرب .

اقتربت العقرب؛ وبينما يحاول الهدهد رفعها لأعلى ؛ رفعت ذنبها لتلدغه فطار مرتفعا ؛وهبط على مقربة منها قائلا : لقد خدعتني أيتها العقرب وكدت تقضين على بذنبك الذي يحمل السم الفتاك .

قالت : اعذرني أيها الهدهد ؛فأنا لا أستطيع التحكم في ذنبي الذي يسبب لي كثيرا من المتاعب إذا لم ألدغ به الكائنات؛ اقترب منى ولا تخف .

قال الهدهد : اسمعي أيتها العقرب ؛أنت تكرهين جميع الكائنات وهى تكرهك أيضا ؛وأما أنا فلا احمل كرها أو عداوة لأي كائن على الأرض وأنا وأنت لن نتفق أبدا؛ومن اليوم أنا فقدت الثقة في جميع العقارب .

===========================

صدرت في كتيب مصور للأطفال ضمن "سلسلة القراءة المفيدة"عن دار روان للنشر-القاهرة 2004م.


الأربعاء، 18 مارس 2015

(لالا فاطمة نسومر).."خولة جرجرة"- بقلم :الطيب أديب





من أبطال العرب:         

                                (لالا فاطمة نسومر).."خولة جرجرة"

                                     بقلم :الطيب أديب

                                   ***************



لم تقتصر حركة الكفاح ومقاومة الغزاة في بلادنا العربية على الرجال فقط وإنما برز عدد غير قليل من النساء الفارسات اللائي تصدين ببسالة للغزاة وقدن الجيوش التي ألحقت بالمستعمرين الغزاة هزائم ساحقة ومن هؤلاء المقاومات المجاهدة الجزائرية  "لا لا فاطمة نسومر "، التي ولدت سنة 1246هـ/1830م.

واسمها الحقيقي فاطمة سيد أحمد، ولقبت بـ" نسومر" نسبة إلى قرية نسومر التي كانت تقيم فيها،و لقبها الاستعمار الفرنسي بـ "جان دارك جرجرة" لكنها رفضت اللقب مفضلة لقب "خولة جرجرة" نسبة إلى "خولة بنت خويلد" المسلمة الشجاعة والمدافعة عن دينها، أما كلمة ”جرجرة" فهي جبال وعرة تتواجد بمنطقة القبائل بالجزائر.

وعلى الرغم من جمالها  وأدبها وذكائها وتصوفها و تفرغها للعبادة و التبحر في علوم الدين ، إلا أنها لم ترغب في  الزواج ،وتفرغت لتتبع أخبار ما يحدث في بلاد القبائل من معارك عديدة انتصر فيها المجاهدون على الغزاة  كمعركة  " تادمايت "التي قادها المجاهد الجزائري الحاج عمر بن زعموم ضد قوات الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال "بيجو "سنة 1844م.

و انضمت  لالا فاطمة إلى المقاومة و شاركت الشريف بوبغلة (محمد بن عبد الله) في مواجهة الجيوش الفرنسية الزاحفة بقيادة الجنرالين "روندون" و "ماك ماهون" فكانت المواجهة الأولى بربوة تمزقيده وفيها  أبديا استماتة منقطعة النظير، إلا أن عدم تكافؤ القوات عدة وعددا اضطر الشريف بوبغلة بنصيحة من فاطمة نسومر على الانسحاب إلى منطقة  بني يني ، وهناك دعيا إلى الجهاد المقدس فاستجاب لهما شيوخ الزوايا فجندوا الطلبة و المريدين و أتباعهم واتجهوا نحو ناحية واضية لمواجهة زحف العدو على قراها بقيادة الجنرالين "روندون" و "يوسف التركي "ويدعمهما "الخائن الجودي" ، فاحتدمت المعركة وهزمت  قوات العدو هزيمة نكراء، و تمكنت لالا فاطمة نسومر من قتل الخائن "الجودي "بيدها كما أنقذت المجاهد  الشريف بوبغلة  من الموت ،حينما سقط جريحا في المعركة.

وعاد " روندون " بقواته من جديد فاحتل منطقة عزازفة، واغتصب أرضها الزراعية ، وأرهب أهلها وحصن المنطقة كلها ، إلا أن قوات  لالا فاطمة واصلت  هجوماتها الخاطفة على القوات الغازية فحققت انتصارات أخرى ضد العدو بنواحي يللتن و الأربعاء و تخلجت و عين تاوريغ و توريرت موسى، مما أدى بالقوات الفرنسية إلى الاستنجاد بقوات جديدة و عتاد حديث، اضطرت على إثرها لا لا فاطمة إلى إعطاء الأوامر لقواتها  بالانسحاب إلى قرية تاخليجت ناث عيسو، لأن  قوات الاحتلال قامت  بقتل كل أفراد العائلات دون تمييز و لارحمة.

وكان هذا  الانسحاب التكتيكي ناجحا تمكن المجاهدون خلاله من  تكوين فرق سريعة منهم لضرب مؤخرات العدو الفرنسي و قطع طرق المواصلات و الإمدادات عليه.

 ولكن الإمدادات السريعة جاءت للجيش الفرنسي  من قسنطينة وقدرت بنحو 45 ألف جندي مجهزين بأحدث الأسلحة ، في حين بلغت قوات المقاومة التي تقودها فاطمة نسومر700 مقاوم .وعندما احتدمت الحرب بين الطرفين ،وعلى الرغم من المقاومة البطولية للمجاهدين بقيادة لا لا  فاطمة نسومر إلا أن الفارق الكبير في العدد و العدة بين قوات الطرفين،  دفع فاطمة نسومر إلى طرح مسألة المفاوضات و إيقاف الحرب بشروط قبلها الطرفان.

إلا أن السلطات الاستعمارية كعادتها نقضت العهد ،إذ غدرت بأعضاء الوفد المفاوض بمجرد خروجهم من المعسكر فاعتقلتهم  جميعهم ،وقام الجنرال" روندون"  بمحاصرة ملجأ لالا فاطمة نسومر و تم أسرها مع عدد من النساء.

و خوفا من تجدد الثورة بجبال جرجرة أبعدت لالا فاطمة نسومر مع 30 شخصا من رجال و نساء إلى زاوية بني سليمان بتابلاط و بقيت هناك لمدة سبع سنوات إلى أن وافتها المنية عن عمر يناهز 33 سنة ، على إثر مرض شديد  تسبب في شللها.
رحم الله المجاهدة المخلصة  لالا فاطمة نسومر و أسكنها فسيح جنانه.

===================


من مجموعة: (من أبطال العرب)-مصورة للأطفال والناشئة –صدرت عن شركة جنى للنشر-القاهرة 2011م.

طفلي يزعجني ..فكيف أعاقبه ..؟ بقلم: الطيب أديب




 خطوة (10):
طفلي يزعجني ..فكيف أعاقبه ..؟

بقلم: الطيب أديب

************

الطفل خامة طبيعية ، يسهل تشكيلها حسب مهارة الأبوين والمربين ، وأفضل الطرق المـأمونة ، المعاملة الحسنة ، وألا يترك الآباء والمربون  وسيلة من وسائل الإصلاح إلا واتبعوها حتى ينشأ الطفل على الخلق السليم والطاعة للأهل ولله تعالى ،وهناك طرق متبعة ثبت نجاحها في التقليل من انحرافات الطفل ومنها :

1- التوجيه بالقدوة : فالطفل يقلد والديه ومن حوله في سن الثالثة حتى السادسة ، ويرى فيهما المثل الأعلى .
2- الإرشاد بلطف : وعلى الوالدين توجيه الطفل لفعل شيء ما أو تصويب خطأ وقع فيه الصغير ، دون زجره أو ضربه.
3- التوبيخ والتهديد : إذا لم تفلح الأساليب السابقة فعلى الأبوين توبيخ الطفل وتهديده إذا أصر على ارتكاب الأخطاء مستقبلاً .
4- الضرب : وينصح علماء التربية بألا يقدم الآباء والمربون إلى العقاب إلا في الحالات القصوى ، وعلى الآباء أن يتصفوا بالحكمة عند شروعهم في عملية الضرب للإصلاح والتربية فللضرب قواعد منها :
* أن يكون الضرب بعد بلوغ الطفل سن العاشرة ، وقد روى أبو داود بإسناد حسن عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم-أنه قال : ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، وأضربوهم عليها وهم أبناء عشر ).
*ألا يزيد عدد الضربات عن ثلاث أو عشر ضربات .
*أن تكون آداة التأديب معتدلة الحجم كالعصا أو السوط  .
 *ألا يرفع الضارب إبطه وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-  يقول للضارب : ( لا ترفع إبطك ) " رواه البيهقي " وأن يكون الضرب مفرقاً في أكثر من موضع من الجسد .
 *أن يبتعد الضارب عن الوجه ، روى البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال : ( إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه ) .
 *إذا تألم الطفل وذكر الله واستجار به ، وجب على الأب أن يكف عن الضرب .

الضرب وسيلة تربوية:

  استخدم العرب والمسلمون قديماً عقوبة ضرب التلاميذ في الكتاتيب كآخر وسيلة للإصلاح ، وكان يقال ( عصا المعلم من الجنة) وكانت الأم تقبل أن يضرب المعلم ابنها ، وتتدخل إذا ضربه أبوه ، وكان المعلمون يلجأون إلى عقوبة الضرب والحبس حتى مع أبناء الأمراء .
 * ذكر ابن خلدون في المقدمة وصية الرشيد إلى (الأحمر)  مؤدب ولده  (الأمين ) التي قال فيها : " وقومه ما استطعت بالقول والملاينة ، فإن أباهما عليك بالشدة والغلظة، قال الأحمر، فكنت كثيراً ما أشد عليه في التأديب ، وأمنعه الساعات التي يتفرغ فيها للهو واللعب ."
  * وسأل السلطان العثماني ( مراد الثاني ) بعض أتباعه ليدلوه على معلم ذي مهابة وبأس ليحفظ ابنه الصغير ( محمد الثاني) القرآن الكريم ، وكان الأمير الصغير قد أرهق معلميه ، ولم يتم حفظ القرآن ، فدلوه على الإمام ( الكوراني) ، ولما قابله السلطان أعطاه العصا وقال له :اضربه إذا خالف أمرك . فذهب إليه المعلم والعصا في يده ولما رآه الأمير الصغير ، لم يصدقه فضحك ، فضربه المعلم ضربا موجعا ، فأقبل الأمير فأتم حفظ القرآن في مدة وجيزة ، وأقبل على علوم السيرة والحديث والرياضيات وغيرها  ، وأطاع معلميه ، وعندما تولى الملك خلفا لأبيه ، جهز جيشا عظيما ، وتمكن من دك أسوار القسطنطينية وفتحها سنة  857 هجرية / 1453م .

لقد أدرك المسلمون في أيام مجدهم كيف يقومون صغارهم بالنصح والإرشاد والعقاب ،و مكافأة المتفوقين منهم فنجحت تربيتهم وتفوقوا في العلم عن سائر الأمم وعلموا العالم أجمع  ،الطب والكيمياء والرياضيات والجغرافيا والأدب ومختلف مناحي المعرفة .
 ============

صفحات من كتابي: (طفلي –خطوة خطوة- من ميلاده حتى بلوغه) طبعه ثانية -صدرت عن دار المعرفة للنشر- القاهرة 2012م.وصدرت طبعته الأولى بعنوان: (طفلي - يوم بيوم- من ميلاده حتى بلوغه) عن دار اليقين للنشر- العام 2009م.



عمر المختار .."شيخ الشهداء"- بقلم: الطيب أديب




 من أبطال العرب:

                   عمر المختار .."شيخ الشهداء" 


                                    بقلم: الطيب أديب

                        **********************

ولد عمر المختار محمد فرحات في 20 أغسطس 1861م في قرية جنزور الشرقية، بإقليم برقة شرقي ليبيا.
تربى يتيما إذ مات أبوه وهو في طريقه للحج وبعدها كفله رجل من أهل قريته  اسمه حسين الغرياني، وتلقى  عمر المختار تعليمه الأول في زاوية جنزور على يد إمام الزاوية الشيخ العلامة عبد القادر بوديه أحد مشايخ الحركة السنوسية، ثم سافر إلى الجغبوب وظل  فيها ثمانية أعوام للدراسة والتحصيل على كبار علماء ومشايخ السنوسية وفي مقدمتهم الإمام السيد المهدي السنوسي ، قطب الحركة السنوسية، فدرس علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما تمنى.

ظهرت عليه علامات النبوغ منذ صغره ما دفع معلموه لرعايته وتشجيعه وبصفة خاصة معلمه  السيد المهدي السنوسي الذي وصفه قائلا : "لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم".وشارك عمر المختار في الدفاع عن وطنه ضد الاستعمار الإيطالي ،فعندما أعلنت إيطاليا الحرب على تركيا في العام 1911م، وبدأت السفن الحربية  الإيطالية تصب  قذائفها على مدن الساحل الليبـي، سارع عمر المختار  بتنظيم حركة المقاومة. وقد شهدت الفترة التي أعقبت انسحاب الأتراك من ليبيا، سنة 1912م، أعنف المعارك في تاريخ الجهاد الليبـي، حقق المجاهدون فيها انتصارات عظيمة،وألحقوا بالغزاة خسائر فادحة إذ قتلوا منهم عددا كبيرا ، ودمروا آلياتهم العسكرية الحديثة على الرغم من قدم أسلحة المجاهدين وبساطتها ، حتى أن قادة الغزاة عزلوا من مناصبهم وتم استبدالهم بقادة آخرين . حاول قادة الغزاة  إغراءالقائد البطل عمر المختار  بالمال والمناصب ليكف عن المقاومة ولكنه رفض كل هذه الإغراءات الزائلة ، وكان رده عليهم أخرجوا من بلادنا كلها نكف عن قتالكم .

ولما زادت خسائر الإيطاليين الغزاة في ليبيا ، طلبوا المزيد من الجنود والإمدادات من الآليات الحديثة كالدبابات والطائرات والمدافع وغيرها وذلك ما مكنهم من احتلال ليبيا وتدمير بيوت الآمنين وحرق مزارعهم وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ .

وبينما القائد عمر المختار يقاتل كالأسد أصيب حصانه برصاصة، فخر صريعا  بعدها تمكن الغزاة من القبض عليه فكبلوه بالأغلال ولم يرحموا شيخوخته وإصاباته العديدة التي ملأت جسمه الطاهر وألقوه في السجن وحاكموه محاكمة غير عادلة  فحكموا عليه بالإعدام شنقا وكان عمره آنذاك 73 عاما قضى منها أكثر من عشرين عاما يقاوم الغزاة المحتلين لبلاده ، ولقب بأسد الصحراء وشيخ الشهداء ، ومن كلماته الخالدة التي حفظها التاريخ ولا يزال صداها  يدوي في أرجاء الأرض:

*"نحن لا نستسلم... ننتصر أو نموت ." 
*"وهذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه "
*"أما أنا فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي."

وقبل إعدامه بلحظات ظل يؤذن للصلاة ، وقال آخرون ممن سمعوه :
 أنه قرأ الآية الكريمة "يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك راضية مرضية" ليجعلها مسك ختام حياته البطولية. وبعد ها صعدت روحه الطاهرة النقية إلي ربها تشكو إليه كيد الظالمين وظلم المستعمرين.

وقد رثاه عشرات الشعراء ومنهم أمير الشعراء أحمد شوقي بقصيدة طويلة يندد فيها بالغزاة ويشيد بالبطل ، ومنها هذه الأبيات :

يا ويحهم نصبوا منارا من دم**يوحي إلى جيـل الغد البغضاء
ما ضر لو جعلوا العلاقة في غد**بين الشعوب مودة وإخاء
جرح يصيح على المدى وضحية** تتلمس الحـرية الحمراء
يا أيها السيف المجرَّد بالفلا **يكسو السيوف على الزمان مضاء
تلك الصحارى غمد كل مهند  **أبلى فأحسن في العدو بلاء

*********************************
  
من مجموعة: (من أبطال العرب)-مصورة للأطفال والناشئة –صدرت عن شركة جنى للنشرالقاهرة 2011م.



طفلي شغوف بالقراءة والأدب..فكيف أوجهه ؟! بقلم:الطيب أديب




خطوة (9):
طفلي شغوف بالقراءة والأدب..فكيف أوجهه ؟!

بقلم:الطيب أديب

*******************
كما يحتاج الطفل للغذاء واللعب يحتاج لتنمية الحس الجمالي لتفجير طاقاته الإبداعية والخيالية ولإبراز ملكة الابتكار داخله ، ويتحقق ذلك بتشجيعه على القراءة وحفظ الشعر وسماع الحكايات المفيدة ، ومشاهدة العروض المسرحية الهادفة ، وممارسة الفنون كالرسم والتلوين وزيارة الآثار والمتاحف .
وقد حرص العرب منذ القدم على تنمية الحس الأدبي لدى أطفالهم لترقية مشاعرهم وتعليمهم الفصاحة والحكمة .

                    طفلي شغوف  بالشعر :

روى الإمام مالك وأحمد والبخاري عن النبي -صلى الله عليه-  وسلم أنه قال : ( إن من الشعر لحكمة ) وروى الجاحظ في البيان والتبيين فقال : ( كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه  إلى ساكني الأمصار : ( أما بعد فعلموا أولادكم السباحة والفروسية ، ورووهم ما سار من المثل وما حسن من الشعر ) .
وروي عن السيدة عائشة - رضي الله عنها-أنها قالت : ( رووا أولادكم الشعر تعذب ألسنتهم ).
وقال الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لمؤدب ولده ( إرو لهم الشعر يمجدوا وينجدوا) .
وأوصى الخليفة العباسي هارون الرشيد معلم ولده الأمين فقال له : ( يا أحمر، إن أمير المؤمنين قد وضع إليكم مهجة نفسه وثمرة قلبه ، فصبر يدك عليه مبسوطة وطاعته لك واجبة فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين أقرئه القرآن وعرفه الأخبار وروه الأشعار وعلمه السنين وبصره بواقع الكلام وبدئه ) .
وشغف الأطفال العرب بحضور مجالس الأدب فتكونت لديهم ملكة التذوق حتى أن بعضهم نظم الشعر في سن صغيرة ومنهم الشاعر العباسي ، عبد الله بن المعتز، الذي أنشد وهو صبي يقول:

    لا تمنعن العلم طالبه  **   فسواك أيضاً عنده خبر
  كم رياض لا أنيس بها  **  هجرت لأن طريقها وعر

وقال أيضاً  وهو صبي :

          اصبر على كيد الحسود  **  فإن صبرك قاتله
          فالنار تأ كل بعضها   **  إن لم تجد ما تأكله

وأنشد أبو الطيب المتنبي الشعر وهو صبي ومما قاله :

بأبي من وددته فافترقنا  **وقضى الله بعد ذاك اجتماعا                                        فافترقنا حولا فلما التقينا ** كان تسليمه علي وداعا          

                    طفلي شغوف بالحكايات :

حرص العرب على قص الحكايات الشفاهية لأطفالهم لإثارة خيالهم وتهذيب مشاعرهم الوجدانية، ويحفل التراث الأدبي العربي بالكثير من الحكايات والأساطير التي نهل منها الكبار لحكيها للصغار مثل قصة ألف ليلة وليلة ، وحي بن يقظان ، وكليلة ودمنة ، وغيرها .. وكثيراً ما ارتبط الأطفال في البلاد العربية بالجدات يحكين لهم حكايات من التراث أو من واقع خيالهن الخصب تشدهم وتثير انتباههم أحياناً وتسلمهم للنوم أحياناً أخرى ..!

                طفلي شغوف بالقراءة :

ومع ظهور المطبعة ظهرت الصحيفة والكتاب وذلك ما شجع على ظهور القصة المكتوبة والمرسومة ، وساعد ذلك على إبراز النواحي الجمالية في القصة ، وسهل على الآباء اقتناء الكتاب والمجلة التي تثير خيال الطفل وتثري وجدانه وتنمي معارفه وننصح الآباء باتباع الآتي :
1- مساعدة الطفل واصطحابه إلي المكتبات عند شراء كتاب يناسب عمره ، وأن يكون الكتاب منسقاً ، ومكتوباً بخط واضح يثير في الصغير انطباعات حسية ومعنوية وينمي معارفه .
2- مساعدة الطفل على اقتناء مجلة مناسبة لسنه لأن المجلة متنوعة الفنون والمعارف ،ففيها القصة والشعر والألغاز والاستطلاعات المصورة الهادفة والمسابقات التي تثري معارفه.
3- أن نساعد الطفل في اقتناء القصص التي تحكي قصص الأنبياء في القرآن الكريم كقصة سيدنا إسماعيل الذي أطاع والده عندما هم بذبحه ، وقصه سيدنا موسى عليه السلام في قصر فرعون وقصة سيدنا عيسى- عليه السلام -الذي تكلم فى المهد وقصة الطوفان ، وغيرها من القصص التي تثري وجدانهم ، وتعلمهم الطاعة والفداء والإيمان وغير ذلك .
4- أن نحكي لهم قصص التراث العربي و الإسلامي ، لنعلمهم من خلال القدوة،فإذا أردنا أن نعلم الطفل البطولة والعفو عند المقدرة نقدم لهم نماذج من السير وقصص الصحابة  رضي الله عنهم  وعند تعليمهم الإيثار وإنكار الذات نحكي لهم قصص المهاجرين والأنصار وهكذا .
5- أن نختار لأطفالنا قصص الخيال العلمي التي تنمي فيهم روح الابتكار وحب العلوم التي نحن في أمس الحاجة لها .
6- أن ندقق كثيراً قبل اختيار الكتب والمجلات لأطفالنا، فهناك بعض الكتب والمجلات التي تحمل بين صفحاتها موادا  مترجمة ذات أغراض خبيثة ودعائية تهدف للسيطرة على عقول صغارنا، وليست كل المواد المترجمة عن اللغات الأخرى تحمل نفس المضمون ، فهناك قصص وأشعار مترجمة تحمل قيماً تربوية خصبة تثري عقول الصغار وتنمي معارفهم .
7-  من الأفضل للأبوين مناقشة الطفل فيما قرأه وتشجيعه ومساعدته في اقتناء مكتبة صغيرة داخل البيت ، بعدها سيقبل الطفل بنفسه على شراء الكتب والمجلات ويجد متعته في مكتبته التي تؤهله مستقبلاً ليصبح قارئاً ومفكراً يحسن استثمار وقته فيما يفيده ويفيد مجتمعه .

           *نماذج من حكايات التراث:

يحفل تراثنا العربي والإسلامي بالقصص والحكايات الرائعة، والتي تصلح كمادة خصبة تنمي في أطفالنا معاني نبيلة كالفصاحة والحكمة، وحب الخير والذوق والجمال ،ومن واجب الآباء والمربين وكتاب أدب الطفل الاهتمام بها واتخاذها مادة ثرية تساعدهم في تربية الناشئة،لاسيما في عصرنا هذا الذي اجتاحته موجة جارفة من التيارت الوافدة التي تهدد عقول الصغار !
ومن هذه الحكايات المفيدة والممتعةهذه النماذج:
                  1- عدل الإسلام:
 سقطت درع الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فالتقطها رجل من اليهود : فرآها  الإمام في يده وعرفها فقال لليهودي درعي سقطت عن جمل لي أورق  .  فقال اليهودي : درعي وفي يدي .. بيني وبينك قاضي المسلمين .. فذهب الإمام علي – كرم الله وجهه-  مع اليهودي إلى القاضي شريح قاضي الكوفة .
قال القاضي شريح : ما تشاء يا أمير المؤمنين ؟
قال الإمام : درعي سقطت عن جمل لي أورق فالتقطها هذا اليهودي .
قال شريح : ما تقول يا يهودي ؟ 
قــــال : درعي وفي يدي.
قال شريح : صدقت يا أمير المؤمنين إنها لدرعك ، ولكن لابد من شاهدين ، فدعى الإمام علي رضي الله عنه خادمه ، وابنه الحسن بن علي وشهدا أنها درعه . 
قال شريح : أما شهادة مولاك فقد أجزناها ، وأما شهادة ابنك فلا نجزها .                  قال الإمام : أما سمعت عمر بن الخطاب يقول  : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .
قال شريح : اللهم نعم .
قال الإمام : أفلا تجز شهادة سيد شاب أهل الجنة ؟
قال شريح :  بلى ، ولكنه ولدك .
وأقبل اليهودي فتسلم الدرع من القاضي شريح وقال : أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين فقضى لي ورضى ، صدقت والله يا أمير المؤمنين إنها لدرعك سقطت عن جمل لك والتقطتها وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .
فما كان من الإمام عي إلا أن وهب درعه لليهودي وزاد له في العطاء .

               2- الجارية الفصيحة و المأمون:

خرج الخليفة العباسي المأمون في رحلة صيد ، وانطلق بجواده خلف غزالة طريدة حتى بلغ ماء الفرات ، وكانت عندها جارية رائعة الجمال ، وبيدها قربة ملأتها وحملتها على كتفها وصعدت لأعلى ، فانحل رباطها فصاحت بصوتها العذب : يا أبت أدرك فاها .. قد غلبني فوها .. لا طاقة لي بفيها .. ورمت القربة من يدها .
فعجب المأمون من فصاحتها وسألها : يا جارية من أي العرب أنت ؟
قـــالت : أنا من بني كلاب .
قــــال : وما الذي حملك أن تكوني من الكلاب .
قـــالت : والله لست من الكلاب , وإنما أنا من قوم كرام غير لئام يقرون الضيف
ويضربون بالسيف ، ثم سألته : يا فتى من أي الناس أنت ؟
قــــال : أو عندك علم بالأنساب ؟
قـــالت : نعــــم .
قــــال : أنا من مضر الحمراء .
قـــالت : من أي مضر ؟
قــــال : من أكرمها نسبا وأعظمها حسبا وخيرها أما وأبا , وممن تهابه مضر كلها .
قـــالت : أظنك من كنانة .
قــــال : أنا من كنانة .
قـــالت : من أي كنانة ؟
قــــال : من أكرمها مولدا وأشرفها محتدا وأطولها في المكرمات يدا ممن تخافه كنانة
وتهابه .
قـــالت : إذن أنت من قريش .
قــــال : أنا من قريش
قـــالت : من أي قريش ؟
قــــال : من أجملها ذكرا ومن أعظمها فخرا تهابه قريش كلها وتخشاه .
قـــالت : أنت والله من بني هاشم .
قال : أنا من بني هاشم .
قـــالت : من أي هاشم ؟
قــــال : من أعلاها منزلة وأشرفها قبيلة ، ممن تهابه هاشم وتخافه .
وهنا قـــالت الجارية : السلام عليك ياأمير المؤمنين وخليفة رب العالمين .
 فعجب المأمون من فصاحتها وجمالها وأدبها فأقبل إلى أبيها وطلبها منه فتزوجها وأنجبت له ولده العباس .



                              3-نجدة المعتصم:
      
اعتدى بعض جنود الروم على امرأة مسلمة في بلدة اسمها " عمورية " ببلاد الروم ، فصرخت المرأة تستنجد بالخليفة العباسي قائلة :
 وا معتصماه ، فما كان من الرومي إلا أن زاد في ظلمها وتعذيبها قائلا : وما يقدر عليه المعتصم،يجيء على أبلق وينصرك ؟ .فبلغ خبر المرأة للخليفة المعتصم ، فأسرع ملبيا نداء المرأة ،وجهز جيشاً جرارا قوامه أثنى عشر ألف مقاتل ، وركب على رأس الجيش ، ولما وصل هناك سأل عن مكان المرأة فحاصر عمورية وطال حصاره لها ، فجمع المنجمون فأخبروه بأنه لن يفتحها إلا في زمان نضج العنب والتين ، لكنه لم يأخذ برأيهم وأصر على فتح عمورية ، فهاجم حصونها ودكها ففتحت له ، وهزم الروم  شر هزيمة وأطلق سراح المرأة و جعلها تملك الرومي الذي اعتدى عليها ، وسيدها الذي كان  يملكها ، وعاد إلى " سامراء "  واستقبله الناس استقبالاً رائعاً وأنشد الشاعر أبو تمام قصيدته الشهيرة التي يقول في مطلعها :
السيف أصدق أنباء من الكتب  ** في حده الحد بين الجد واللعب

                4- الأعرابي ومعن بن زائدة:

تولى معن بن زائدة إمارة العراق ، وبينما هو منشغل في مجلس الحكم ، دخل عليه أعرابي دون إذن ، فنظر إليه معن بن زائدة متعجبا ، فقال الأعرابي :
أتذكر إذ لحافك جلد شاة **    وإذا نعلاك من جلد البعير
قال معن : نعم ، أذكر ذلك ، ولا أنساه .
قال الأعرابي :
فسبحان الذي أعطاك ملكا **  وعلمك الجلوس على السرير
قال معن : سبحانه على كل حال .
قال الأعرابي :
فلست مسلما ما عشت دهرا **على معن بتسليم الأمير
قال معن  : إن السلام سنة يا أخا العرب تأتي به كيف شئت .
 قال الأعرابي :
 سأرحل عن بلاد أنت فيها  **  ولو جار الزمان على الفقير
قال معن  : إن أقمت فينا فمرحبا بك ، وإن رحلت عنا فمصحوب بالسلامة .
قال الأعرابي :
فجد لي يا ابن ناقصة بشيء   **    فإني قد عزمت على المسير
قال معن : يا غلام اعطه ألف دينار .
فأخذها الأعرابي وقال :
 قليل ما أتيت به وأني  **   لأطمع منك بالمال الكثير
قال معن  : يا غلام أعطه ألف دينار أخرى .
فأخذها الأعرابي وقال : 
سألت الله أن يبقيك ذخراً **فمالك في البرية من نظير
قال معن لغلامه : أعطه ألف دينار أخرى .
فأخذها الأعرابي وقال : أيها الأمير إنما جئت مختبراً حلمك لما بلغني عنه فلقد جمع الله فيك من الحلم ما لو قسم على أهل الأرض لكفاهم .
قال معن : يا غلام كم أعطيته على نظمه ؟
قال الغلام : ثلاثة ألاف دينار .
قال معن : أعطه على نثره مثلها .

                                 5- فصاحة غلام:

أصابت البادية القحط في عهد الخليفة الأموي " هشام بن عبد الملك " ،وقدم أهل البوادي عليه فخافوا أن يتكلموا ، وكان فيهم صبي اسمه " ورداس بن حبيب " ولما رآه الخليفة قال لحاجبه : ما شاء أحد يدخل على إلا دخل حتى الصبيان ؟
فقال الصبي : يا أمير المؤمنين ، إنا أصابتنا سنون ثلاث ، سنة أذابت الشحم ، وسن
أكلت اللحم ، وسنة نقت العظم ، وفي أيديكم فضول أموال ، فإن كانت لله ففرقوها على
عبادة ، وإن كانت لهم فعلام تحبسوها عنهم ؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم ، فإن
الله يجزي المتصدقين ، ولا يضيع أجر المحسنين .
فقال هشام : ما ترك لنا هذا الغلام في واحدة من الثلاث عذرا ، فأمر للبوادي بمائة ألف
درهم ، وله بمائه ألف درهم .
فقال الصبي : ارددها يا أمير المؤمنين إلى جائزة العرب ، فإني أخاف أن تعجز عن
بلوغ كفايتهم.
فقال هشام : أما لك حاجة ؟
قال الصبي : مالي حاجة في خاصة دون عامة المسلمين .
فخرج الصبي وهو سيد القوم وأكرمهم .

                          6- ما أجمل الحلال :

بينما رجل صالح اسمه " ثابت بن إبراهيم " يمشي في الطريق ، سقطت عليه تفاحة من بستان ،  فالتقطها وأكل نصفها ، ثم توقف متذكرا أنها ليست من حقه فذهب إلى البستاني قائلا له : سامحني نسيت وأكلت نصف هذه التفاحة فخذ نصفها الآخر.
قال البستاني : البستان ليس ملكي ، وإنما هو ملك سيدي .
قال ثابت : وأين سيدك حتى أذهب إليه وأستسمحه ؟
قال البستاني : بينك وبينه مسيرة يوم وليلة .
قال ثابت : والله لأذهبن إليه مهما بعد الطريق . لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : " كل جسم نبت من سحت فالنار أولى به " .
ولما بلغ دار صاحب البستان حكى له حكايته .
فنظر إليه صاحب البستان وقال له :  لا أسامحك إلا بشرط واحد .
قال : ما هو ؟
قال : أن تتزوج أبنتي .. ووصفها له .
قال ثابت : قبلت خطبتها ، وسأتاجر فيها مع ربي .
وعندما تمت إجراءات الزواج ودخل ثابت على زوجته ، ألقى عليها السلام ، فردت عليه،ووقفت ووضعت يدها على يده .
فتعجب من أمرها وقال في نفسه : ردت السلام إذن ليست بكماء ، وسمعت السلام إذا ليست صماء ، وقامت واقفة إذا ليست مقعدة، ومدت يدها إذا ليست عمياء .
فقال لها : إن أباك أخبرني أنك صماء ، بكماء ، مقعدة ، عمياء ، ولم أر ما أخبرني به .
قالت : إن أبي أخبرك بأني عمياء ، وأنا عمياء عن الحرام ، لأن عيني لا تنظر إلى ما حرم الله ، صماء عن كل ما لا يرضى الله ، بكماء لأن لساني لا يتحرك إلا بذكر الله ، مقعدة لأن قدمي لم تحملني إلي ما يغضب الله . ونظر ثابت إلى وجهها فكأنه البدر ، ودخل بها ورزقه الله منها بمولود ملأ الأرض علما وهو الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه .

 ===============
صفحات من كتابي: (طفلي –خطوة خطوة- من ميلاده حتى بلوغه) طبعه ثانية -صدرت عن دار المعرفة للنشر- القاهرة 2012م.وصدرت طبعته الأولى بعنوان: (طفلي - يوم بيوم- من ميلاده حتى بلوغه) عن دار اليقين للنشر- العام 2009م.