الأربعاء، 18 مارس 2015

طفلي شغوف بالقراءة والأدب..فكيف أوجهه ؟! بقلم:الطيب أديب




خطوة (9):
طفلي شغوف بالقراءة والأدب..فكيف أوجهه ؟!

بقلم:الطيب أديب

*******************
كما يحتاج الطفل للغذاء واللعب يحتاج لتنمية الحس الجمالي لتفجير طاقاته الإبداعية والخيالية ولإبراز ملكة الابتكار داخله ، ويتحقق ذلك بتشجيعه على القراءة وحفظ الشعر وسماع الحكايات المفيدة ، ومشاهدة العروض المسرحية الهادفة ، وممارسة الفنون كالرسم والتلوين وزيارة الآثار والمتاحف .
وقد حرص العرب منذ القدم على تنمية الحس الأدبي لدى أطفالهم لترقية مشاعرهم وتعليمهم الفصاحة والحكمة .

                    طفلي شغوف  بالشعر :

روى الإمام مالك وأحمد والبخاري عن النبي -صلى الله عليه-  وسلم أنه قال : ( إن من الشعر لحكمة ) وروى الجاحظ في البيان والتبيين فقال : ( كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه  إلى ساكني الأمصار : ( أما بعد فعلموا أولادكم السباحة والفروسية ، ورووهم ما سار من المثل وما حسن من الشعر ) .
وروي عن السيدة عائشة - رضي الله عنها-أنها قالت : ( رووا أولادكم الشعر تعذب ألسنتهم ).
وقال الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لمؤدب ولده ( إرو لهم الشعر يمجدوا وينجدوا) .
وأوصى الخليفة العباسي هارون الرشيد معلم ولده الأمين فقال له : ( يا أحمر، إن أمير المؤمنين قد وضع إليكم مهجة نفسه وثمرة قلبه ، فصبر يدك عليه مبسوطة وطاعته لك واجبة فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين أقرئه القرآن وعرفه الأخبار وروه الأشعار وعلمه السنين وبصره بواقع الكلام وبدئه ) .
وشغف الأطفال العرب بحضور مجالس الأدب فتكونت لديهم ملكة التذوق حتى أن بعضهم نظم الشعر في سن صغيرة ومنهم الشاعر العباسي ، عبد الله بن المعتز، الذي أنشد وهو صبي يقول:

    لا تمنعن العلم طالبه  **   فسواك أيضاً عنده خبر
  كم رياض لا أنيس بها  **  هجرت لأن طريقها وعر

وقال أيضاً  وهو صبي :

          اصبر على كيد الحسود  **  فإن صبرك قاتله
          فالنار تأ كل بعضها   **  إن لم تجد ما تأكله

وأنشد أبو الطيب المتنبي الشعر وهو صبي ومما قاله :

بأبي من وددته فافترقنا  **وقضى الله بعد ذاك اجتماعا                                        فافترقنا حولا فلما التقينا ** كان تسليمه علي وداعا          

                    طفلي شغوف بالحكايات :

حرص العرب على قص الحكايات الشفاهية لأطفالهم لإثارة خيالهم وتهذيب مشاعرهم الوجدانية، ويحفل التراث الأدبي العربي بالكثير من الحكايات والأساطير التي نهل منها الكبار لحكيها للصغار مثل قصة ألف ليلة وليلة ، وحي بن يقظان ، وكليلة ودمنة ، وغيرها .. وكثيراً ما ارتبط الأطفال في البلاد العربية بالجدات يحكين لهم حكايات من التراث أو من واقع خيالهن الخصب تشدهم وتثير انتباههم أحياناً وتسلمهم للنوم أحياناً أخرى ..!

                طفلي شغوف بالقراءة :

ومع ظهور المطبعة ظهرت الصحيفة والكتاب وذلك ما شجع على ظهور القصة المكتوبة والمرسومة ، وساعد ذلك على إبراز النواحي الجمالية في القصة ، وسهل على الآباء اقتناء الكتاب والمجلة التي تثير خيال الطفل وتثري وجدانه وتنمي معارفه وننصح الآباء باتباع الآتي :
1- مساعدة الطفل واصطحابه إلي المكتبات عند شراء كتاب يناسب عمره ، وأن يكون الكتاب منسقاً ، ومكتوباً بخط واضح يثير في الصغير انطباعات حسية ومعنوية وينمي معارفه .
2- مساعدة الطفل على اقتناء مجلة مناسبة لسنه لأن المجلة متنوعة الفنون والمعارف ،ففيها القصة والشعر والألغاز والاستطلاعات المصورة الهادفة والمسابقات التي تثري معارفه.
3- أن نساعد الطفل في اقتناء القصص التي تحكي قصص الأنبياء في القرآن الكريم كقصة سيدنا إسماعيل الذي أطاع والده عندما هم بذبحه ، وقصه سيدنا موسى عليه السلام في قصر فرعون وقصة سيدنا عيسى- عليه السلام -الذي تكلم فى المهد وقصة الطوفان ، وغيرها من القصص التي تثري وجدانهم ، وتعلمهم الطاعة والفداء والإيمان وغير ذلك .
4- أن نحكي لهم قصص التراث العربي و الإسلامي ، لنعلمهم من خلال القدوة،فإذا أردنا أن نعلم الطفل البطولة والعفو عند المقدرة نقدم لهم نماذج من السير وقصص الصحابة  رضي الله عنهم  وعند تعليمهم الإيثار وإنكار الذات نحكي لهم قصص المهاجرين والأنصار وهكذا .
5- أن نختار لأطفالنا قصص الخيال العلمي التي تنمي فيهم روح الابتكار وحب العلوم التي نحن في أمس الحاجة لها .
6- أن ندقق كثيراً قبل اختيار الكتب والمجلات لأطفالنا، فهناك بعض الكتب والمجلات التي تحمل بين صفحاتها موادا  مترجمة ذات أغراض خبيثة ودعائية تهدف للسيطرة على عقول صغارنا، وليست كل المواد المترجمة عن اللغات الأخرى تحمل نفس المضمون ، فهناك قصص وأشعار مترجمة تحمل قيماً تربوية خصبة تثري عقول الصغار وتنمي معارفهم .
7-  من الأفضل للأبوين مناقشة الطفل فيما قرأه وتشجيعه ومساعدته في اقتناء مكتبة صغيرة داخل البيت ، بعدها سيقبل الطفل بنفسه على شراء الكتب والمجلات ويجد متعته في مكتبته التي تؤهله مستقبلاً ليصبح قارئاً ومفكراً يحسن استثمار وقته فيما يفيده ويفيد مجتمعه .

           *نماذج من حكايات التراث:

يحفل تراثنا العربي والإسلامي بالقصص والحكايات الرائعة، والتي تصلح كمادة خصبة تنمي في أطفالنا معاني نبيلة كالفصاحة والحكمة، وحب الخير والذوق والجمال ،ومن واجب الآباء والمربين وكتاب أدب الطفل الاهتمام بها واتخاذها مادة ثرية تساعدهم في تربية الناشئة،لاسيما في عصرنا هذا الذي اجتاحته موجة جارفة من التيارت الوافدة التي تهدد عقول الصغار !
ومن هذه الحكايات المفيدة والممتعةهذه النماذج:
                  1- عدل الإسلام:
 سقطت درع الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فالتقطها رجل من اليهود : فرآها  الإمام في يده وعرفها فقال لليهودي درعي سقطت عن جمل لي أورق  .  فقال اليهودي : درعي وفي يدي .. بيني وبينك قاضي المسلمين .. فذهب الإمام علي – كرم الله وجهه-  مع اليهودي إلى القاضي شريح قاضي الكوفة .
قال القاضي شريح : ما تشاء يا أمير المؤمنين ؟
قال الإمام : درعي سقطت عن جمل لي أورق فالتقطها هذا اليهودي .
قال شريح : ما تقول يا يهودي ؟ 
قــــال : درعي وفي يدي.
قال شريح : صدقت يا أمير المؤمنين إنها لدرعك ، ولكن لابد من شاهدين ، فدعى الإمام علي رضي الله عنه خادمه ، وابنه الحسن بن علي وشهدا أنها درعه . 
قال شريح : أما شهادة مولاك فقد أجزناها ، وأما شهادة ابنك فلا نجزها .                  قال الإمام : أما سمعت عمر بن الخطاب يقول  : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .
قال شريح : اللهم نعم .
قال الإمام : أفلا تجز شهادة سيد شاب أهل الجنة ؟
قال شريح :  بلى ، ولكنه ولدك .
وأقبل اليهودي فتسلم الدرع من القاضي شريح وقال : أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين فقضى لي ورضى ، صدقت والله يا أمير المؤمنين إنها لدرعك سقطت عن جمل لك والتقطتها وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .
فما كان من الإمام عي إلا أن وهب درعه لليهودي وزاد له في العطاء .

               2- الجارية الفصيحة و المأمون:

خرج الخليفة العباسي المأمون في رحلة صيد ، وانطلق بجواده خلف غزالة طريدة حتى بلغ ماء الفرات ، وكانت عندها جارية رائعة الجمال ، وبيدها قربة ملأتها وحملتها على كتفها وصعدت لأعلى ، فانحل رباطها فصاحت بصوتها العذب : يا أبت أدرك فاها .. قد غلبني فوها .. لا طاقة لي بفيها .. ورمت القربة من يدها .
فعجب المأمون من فصاحتها وسألها : يا جارية من أي العرب أنت ؟
قـــالت : أنا من بني كلاب .
قــــال : وما الذي حملك أن تكوني من الكلاب .
قـــالت : والله لست من الكلاب , وإنما أنا من قوم كرام غير لئام يقرون الضيف
ويضربون بالسيف ، ثم سألته : يا فتى من أي الناس أنت ؟
قــــال : أو عندك علم بالأنساب ؟
قـــالت : نعــــم .
قــــال : أنا من مضر الحمراء .
قـــالت : من أي مضر ؟
قــــال : من أكرمها نسبا وأعظمها حسبا وخيرها أما وأبا , وممن تهابه مضر كلها .
قـــالت : أظنك من كنانة .
قــــال : أنا من كنانة .
قـــالت : من أي كنانة ؟
قــــال : من أكرمها مولدا وأشرفها محتدا وأطولها في المكرمات يدا ممن تخافه كنانة
وتهابه .
قـــالت : إذن أنت من قريش .
قــــال : أنا من قريش
قـــالت : من أي قريش ؟
قــــال : من أجملها ذكرا ومن أعظمها فخرا تهابه قريش كلها وتخشاه .
قـــالت : أنت والله من بني هاشم .
قال : أنا من بني هاشم .
قـــالت : من أي هاشم ؟
قــــال : من أعلاها منزلة وأشرفها قبيلة ، ممن تهابه هاشم وتخافه .
وهنا قـــالت الجارية : السلام عليك ياأمير المؤمنين وخليفة رب العالمين .
 فعجب المأمون من فصاحتها وجمالها وأدبها فأقبل إلى أبيها وطلبها منه فتزوجها وأنجبت له ولده العباس .



                              3-نجدة المعتصم:
      
اعتدى بعض جنود الروم على امرأة مسلمة في بلدة اسمها " عمورية " ببلاد الروم ، فصرخت المرأة تستنجد بالخليفة العباسي قائلة :
 وا معتصماه ، فما كان من الرومي إلا أن زاد في ظلمها وتعذيبها قائلا : وما يقدر عليه المعتصم،يجيء على أبلق وينصرك ؟ .فبلغ خبر المرأة للخليفة المعتصم ، فأسرع ملبيا نداء المرأة ،وجهز جيشاً جرارا قوامه أثنى عشر ألف مقاتل ، وركب على رأس الجيش ، ولما وصل هناك سأل عن مكان المرأة فحاصر عمورية وطال حصاره لها ، فجمع المنجمون فأخبروه بأنه لن يفتحها إلا في زمان نضج العنب والتين ، لكنه لم يأخذ برأيهم وأصر على فتح عمورية ، فهاجم حصونها ودكها ففتحت له ، وهزم الروم  شر هزيمة وأطلق سراح المرأة و جعلها تملك الرومي الذي اعتدى عليها ، وسيدها الذي كان  يملكها ، وعاد إلى " سامراء "  واستقبله الناس استقبالاً رائعاً وأنشد الشاعر أبو تمام قصيدته الشهيرة التي يقول في مطلعها :
السيف أصدق أنباء من الكتب  ** في حده الحد بين الجد واللعب

                4- الأعرابي ومعن بن زائدة:

تولى معن بن زائدة إمارة العراق ، وبينما هو منشغل في مجلس الحكم ، دخل عليه أعرابي دون إذن ، فنظر إليه معن بن زائدة متعجبا ، فقال الأعرابي :
أتذكر إذ لحافك جلد شاة **    وإذا نعلاك من جلد البعير
قال معن : نعم ، أذكر ذلك ، ولا أنساه .
قال الأعرابي :
فسبحان الذي أعطاك ملكا **  وعلمك الجلوس على السرير
قال معن : سبحانه على كل حال .
قال الأعرابي :
فلست مسلما ما عشت دهرا **على معن بتسليم الأمير
قال معن  : إن السلام سنة يا أخا العرب تأتي به كيف شئت .
 قال الأعرابي :
 سأرحل عن بلاد أنت فيها  **  ولو جار الزمان على الفقير
قال معن  : إن أقمت فينا فمرحبا بك ، وإن رحلت عنا فمصحوب بالسلامة .
قال الأعرابي :
فجد لي يا ابن ناقصة بشيء   **    فإني قد عزمت على المسير
قال معن : يا غلام اعطه ألف دينار .
فأخذها الأعرابي وقال :
 قليل ما أتيت به وأني  **   لأطمع منك بالمال الكثير
قال معن  : يا غلام أعطه ألف دينار أخرى .
فأخذها الأعرابي وقال : 
سألت الله أن يبقيك ذخراً **فمالك في البرية من نظير
قال معن لغلامه : أعطه ألف دينار أخرى .
فأخذها الأعرابي وقال : أيها الأمير إنما جئت مختبراً حلمك لما بلغني عنه فلقد جمع الله فيك من الحلم ما لو قسم على أهل الأرض لكفاهم .
قال معن : يا غلام كم أعطيته على نظمه ؟
قال الغلام : ثلاثة ألاف دينار .
قال معن : أعطه على نثره مثلها .

                                 5- فصاحة غلام:

أصابت البادية القحط في عهد الخليفة الأموي " هشام بن عبد الملك " ،وقدم أهل البوادي عليه فخافوا أن يتكلموا ، وكان فيهم صبي اسمه " ورداس بن حبيب " ولما رآه الخليفة قال لحاجبه : ما شاء أحد يدخل على إلا دخل حتى الصبيان ؟
فقال الصبي : يا أمير المؤمنين ، إنا أصابتنا سنون ثلاث ، سنة أذابت الشحم ، وسن
أكلت اللحم ، وسنة نقت العظم ، وفي أيديكم فضول أموال ، فإن كانت لله ففرقوها على
عبادة ، وإن كانت لهم فعلام تحبسوها عنهم ؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم ، فإن
الله يجزي المتصدقين ، ولا يضيع أجر المحسنين .
فقال هشام : ما ترك لنا هذا الغلام في واحدة من الثلاث عذرا ، فأمر للبوادي بمائة ألف
درهم ، وله بمائه ألف درهم .
فقال الصبي : ارددها يا أمير المؤمنين إلى جائزة العرب ، فإني أخاف أن تعجز عن
بلوغ كفايتهم.
فقال هشام : أما لك حاجة ؟
قال الصبي : مالي حاجة في خاصة دون عامة المسلمين .
فخرج الصبي وهو سيد القوم وأكرمهم .

                          6- ما أجمل الحلال :

بينما رجل صالح اسمه " ثابت بن إبراهيم " يمشي في الطريق ، سقطت عليه تفاحة من بستان ،  فالتقطها وأكل نصفها ، ثم توقف متذكرا أنها ليست من حقه فذهب إلى البستاني قائلا له : سامحني نسيت وأكلت نصف هذه التفاحة فخذ نصفها الآخر.
قال البستاني : البستان ليس ملكي ، وإنما هو ملك سيدي .
قال ثابت : وأين سيدك حتى أذهب إليه وأستسمحه ؟
قال البستاني : بينك وبينه مسيرة يوم وليلة .
قال ثابت : والله لأذهبن إليه مهما بعد الطريق . لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : " كل جسم نبت من سحت فالنار أولى به " .
ولما بلغ دار صاحب البستان حكى له حكايته .
فنظر إليه صاحب البستان وقال له :  لا أسامحك إلا بشرط واحد .
قال : ما هو ؟
قال : أن تتزوج أبنتي .. ووصفها له .
قال ثابت : قبلت خطبتها ، وسأتاجر فيها مع ربي .
وعندما تمت إجراءات الزواج ودخل ثابت على زوجته ، ألقى عليها السلام ، فردت عليه،ووقفت ووضعت يدها على يده .
فتعجب من أمرها وقال في نفسه : ردت السلام إذن ليست بكماء ، وسمعت السلام إذا ليست صماء ، وقامت واقفة إذا ليست مقعدة، ومدت يدها إذا ليست عمياء .
فقال لها : إن أباك أخبرني أنك صماء ، بكماء ، مقعدة ، عمياء ، ولم أر ما أخبرني به .
قالت : إن أبي أخبرك بأني عمياء ، وأنا عمياء عن الحرام ، لأن عيني لا تنظر إلى ما حرم الله ، صماء عن كل ما لا يرضى الله ، بكماء لأن لساني لا يتحرك إلا بذكر الله ، مقعدة لأن قدمي لم تحملني إلي ما يغضب الله . ونظر ثابت إلى وجهها فكأنه البدر ، ودخل بها ورزقه الله منها بمولود ملأ الأرض علما وهو الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه .

 ===============
صفحات من كتابي: (طفلي –خطوة خطوة- من ميلاده حتى بلوغه) طبعه ثانية -صدرت عن دار المعرفة للنشر- القاهرة 2012م.وصدرت طبعته الأولى بعنوان: (طفلي - يوم بيوم- من ميلاده حتى بلوغه) عن دار اليقين للنشر- العام 2009م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق