السبت، 15 يناير 2011

علماء مسلمون علموا العالم



علماء مسلمون علموا العالم
كتبها :الطيب أديب

بلغت الحضارة الإسلامية درجة عالية من الرقي بجهود العلماء المسلمين والخلفاء الذين شجعوا هؤلاء العلماء، فازدهرت الحياة العلمية في شتى نواحي المعرفة، وكان لمؤلفات العلماء المسلمين دور كبير في نهضة البشرية وتقدمها  التكنولوجي الذي يعيشه العالم الآن ، وهنا نلقي الضوء حول بعض العلماء المسلمين. 

( الزهراوي) رائد علم الجراحة
هو أبو القاسم خلف بن عباس ، عرف بالزهراوي نسبة إلي الزهراء إحدى مدن الأندلس ، التي ولد فيها العام 325 هـ ، وعاش ما يقرب من تسعة وسبعين عاماً ، وكانت الأندلس في هذا العصر واحة جميلة ، وجامعة يقصدها طلاب العلم من كل صوب ، حيث ازدهرت حلقات العلم وانتشرت بها المكتبات التي زاد عددها علي سبعين مكتبة عامة ، وكانت في قرطبة مكتبة ضخمة تضم أكثر من أربعمائة ألف كتاب ، وحرص أمراء الأندلس علي تشجيع البحث العلمي وتكريم العلماء مما شجع الزهراوي لينهل من الكتب الثمينة اليونانية والإسلامية ويتلقى العلوم علي يد أطباء الأندلس الكبار ، كعيسي بن إسحق وغيره حتى حقق رغبته وصار طبيباً عظيماً يخفف آلام الناس ، بل إنه تفوق علي أطباء عصره باختراعه الآلات الجراحية  التي استخدمها في إجراء العمليات الجراحية .
ويعد كتابه " التصريف" أهم ما كتب حيث يتكون هذا الكتاب من ثلاثين جزءاً كتب فيه عن الجراحة والصيدلية والعظام وطب العيون ورسم فيه آلاته الجراحية الدقيقة التي صنعها لإجراء العمليات في الأنف والأذن والحنجرة والكسور وخلع الأسنان والتوليد وغير ذلك ، وجاء إليه الطلاب من كل صوب يتعلمون الطب علي يديه وكان الطلاب الأوروبيون يتعلمون الطب علي يد الزهراوي سراً ، خوفاً من بطش بابوات الكنيسة ، حيث كانوا يحرمون إجراء العمليات الجراحية ، لأن ذلك علي حد زعمهم اعتداء علي حرمة الجسد ، مما أثار سخط الطلاب الأوروبيين الذين  وجدوا عند المسلمين حرية في علم الطب في الأندلس .
ونظراً لأهمية كتاب " التصريف " ترجم إلي اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي ، وظل يترجم ويطبع حتى القرن الثامن عشر ، فترجم إلي الإنكليزية والفرنسية والألمانية وغيرها من اللغات ، وعرف أبو القاسم الزهراوي في اللغات الأوروبية باسم " البلكاسس " وصار عالما مشهوراً واقترن اسمه بعلم الجراحة حتى يومنا هذا .
_____________________
نشر بمجلة براعم الإيمان الكويتية- العدد300
______________________
                      (جابر بن حيان ) رائد علم الكيمياء
هو أبو موسي جابر بن حيان ، ولد في خراسان عام 120هـ تقريباً ، وعاش نحواً من تسعين عاما ، ظل ينتقل بين أرجاء الأرض حتى استقر به المقام في الكوفة ، فدرس الطب والفلسفة والكيمياء وبرع في هذا العلم حتى عرفت الكيمياء بأنها "صنعة جابر " وبلغ عدد مؤلفاته مائتي كتاب منها ثمانون كتاباً في الكيمياء وحدها ، وأهم هذه الكتب "السر المكنون . الأركان الأربعة . الأصباغ . ما بعد الطبيعة " وكتب  أخري كثيرة  ويعد أول من  استخدام الموازين في تجاربه العلمية وتوصل إلي حقائق علمية لم يتوصل  إليها عالم قبلة فهو أول من قال إن الأجسام القابلة للاحتراق يتطاير منها كبريت عند احتراقها وعرف كثيراً من العمليات الكيميائية كالتبخير والتقطير والترشيح والإذابة وتمكن من تحضير حبر مضيء استخدمه للكتابة علي المخطوطات لكي تضيء في الظلام ،واخترع أوراقاً تقاوم النيران فلا تشتعل وقسم السموم إلي حيوانية كسموم الأفاعي والعقارب وسموم نباتية كالحنظل والأفيون وسموم حجرية كالزئبق والزرنيخ  . واهتم جابر بإجراء تجاربه الكيماوية بدقة بالغة ، ومن نصائحه لمن يريد إجراء التجارب الكيماوية يوصي قائلاً :" عين الغرض من التجربة واتبع التعليمات الخاصة بها ، اختر للتجربة الوقت الملائم لها .... اختر لمعمل التجارب مكاناً منعزلاً ... كن صبوراً ومثابراً وصامتاً متحفظاً ولا تصادق إلا من تثق به " ظلت كتب جابر المرجع الأول في الكيمياء في كل بلاد العالم ما يقرب من ألف عام وترجمت إلي اللغات الأجنبية وما زالت المكتبات العلمية في شتي أرجاء العالم تحتفظ بكتبه الثمينة وفي المتحف البريطاني توجد نسخة خطية من كتابه "الخواص الكبير " وفي المكتبة الأهلية بفرنسا توجد نسخة خطية من كتابه "الأحجار ". وقد شهد له من درس علم الكيمياء علي مر العصور وقال عنه المؤرخ الشهير "سارتون " : " إن ابن حيان من أعظم الذين برزوا في ميدان العلم في القرون الوسطي ... "
___________________________
نشر بمجلة براعم الإيمان الكويتية- العدد 298
____________________________
               
                      (الحسن بن الهيثم) رائد علم الطبيعة
ولد الحسن بن الهيثم العام 354هـ وعاش نحواً من ستة وسبعين عاماً ، عاش بالبصرة ثم انتقل إلي القاهرة فظل فيها حتى توفي . شغف بالعلم منذ صباه فقرأ كثيراً في علوم الدين والطب ، والفلسفة ، والرياضة ، والفلك ، وشرح كثيراً من الكتب الإغريقية والإسلامية . وكتب ابن الهيثم في علم الطبيعة الذي عشقه وأبدع فيه وألف أكثر من مئتي كتاب منها أربعة وعشرين كتاباً في علم الطبيعة ويعد ابن الهيثم أول من قال :إن شعاع الضوء يخرج من الجسم المرئي ، ثم ينعكس علي العين وكان السائد قبل ذلك أن شعاع الضوء يخرج من العين ثم ينعكس علي الجسم المرئي وهو أول من ناقش سبب رؤية الشيء واحداً علي الرغم من رؤيته بالعينين وساعدت هذه النظرية علي اختراع جهاز "الاستريوسكوب " حديثاً ، وقال ابن الهيثم إن الوزن الحقيقي للجسم لا يكون هو وزنه في الهواء لأن الهواء يؤثر علي الجسم فيدفعه إلي أعلي فيقل الوزن وبناء علي هذه النظرية اخترع جهاز "البارومتر ومفرغة الهواء " وقال إن الضوء لا يري منفرداً إنما يري بوساطة الذرات العالقة بالجو . وفي ذلك يقول ابن الهيثم "إذ دخل ضوء الشمس أو القمر أو النار في حجرة مظلمة خلال ثقب صغير ، وكان هواء الحجرة مملوءاً بدقائق الهباء فإن الضوء الداخل من هذا الثقب يمكن رؤيته مختلطاً بالتراب ويري أيضاً علي أرض الحجرة أو في الجدار المقابل وهو يسير خلال  الثقب إلي الأرض أو الجدار في خطوط مستقيمة " وعندما وصل ابن الهيثم إلي القاهرة سافر إلي أسوان جنوب مصر وفكر بإمكان إقامة سد لتخزين مياه النيل للاستفادة منها وهو بذلك يعتبر أول من فكر في هذا المشروع العملاق قبل إنشائه بألف عام تقريباً .
ترجمت كتب بن الهيثم إلي لغات أجنبية كثيرة وظلت مرجعاً أساسياً لجميع المشتغلين بعلم الطبيعة في العالم قروناً عديدة وقال عنه المؤرخ "سارتون ": إن ابن الهيثم أكبر عالم طبيعي مسلم ومن أكبر المشتغلين بعلم الضوء في جميع الأزمان.
_____________________
نشر بمجلة براعم الإيمان الكويتية- العدد309
______________________


(البيروني) أعظم العلماء على مر العصور

 هو أبو الريحان محمد بن أحمد الفلكي " البيروني " ولد في ضاحية "كاث" بخوارزم في العام 351 هـ وعاش نحواً من تسعين عاماً ، شغف بحب القراءة وطلب العلم منذ صغره وأقبل علي تعلم اللغات فأجاد اللغة العربية التي أهلته لدراسة علوم الدين والفقه واللغة وأجاد اللغة الفارسية واليونانية والسنسكريتية  والسريانية بجانب لغته الخوارزمية مما أهله للإطلاع علي مناهل المعرفة ومراجع الثقافات المختلفة . زار الكثير من البلاد العربية وسافر إلي الهند التي استقر فيها زمناً طويلاً وفي الهند عكف علي التأليف وظل يدون ملاحظاته عن سكان الهند وأخبارها وأساطيرها وعاداتها وتقاليدها وأعياد أهلها فأخرج لنا كتاباً رائعاً عده العلماء أهم مرجع لاستطلاع أخبار الشعوب الشرقية التي كانت مجهولة آنذاك ، وعندما عاد البيروني إلي خوارزم أعجب به السلطان محمود الغزنوي فاصطحبه إلي "غزنة" عاصمة الدولة الغزنوية " وكان قد انتهي من كتابه "القانون المسعودي في الهيئة والنجوم فزاد من إعجاب السلطان به حيث أعطي كل وقته للبحث العلمي والتأليف . نبغ البيروني في الرياضيات والفلك والجغرافيا والفلسفة والاقتصاد وعلم النبات والجغرافيا والتاريخ حتى لقبه العلماء  بـ الأستاذ ، فهو بحق عالم موسوعي وما زال العلم يدين له بالفضل في كثير من المسائل والاكتشافات التي سبق بها عصره ، حتى أن علماء  الفضاء الذين وصلوا إلي الفضاء بسفنهم الفضائية استفادوا من حسابات البيروني الرياضية ودراساته الفلكية التي ساعدتهم في الوصول للفضاء رغم مرور نحو من ألف عام علي رحيله واعتمد البيروني في تحصيل المعارف علي البحث والتجربة بنفسه وتميز أسلوبه في الكتابة بترتيب الأفكار وتسلسلها وكتب معظم مؤلفاته باللغة العربية تقديراً لفضلها علي سائر اللغات ما شجع الشعوب علي تعلمها واحترامها ، وقد بلغت مؤلفات البيروني نحواً من 180 كتاباً ورسالة منها، الآثار الباقية عن القرون الخالية، تاريخ الهند، أطوال البلاد وعروضها، . الآلات والعمل، الشعاعات والقمر ، الحساب، تحقيق منازل القمر ، تعيين البلد من العرض والطول كلاهما،  الصيدلة في الطب ، وكتب أخري كثيرة ...  ويعد كتابه "القانون المسعودي" أهم الكتب وقد طبع العام 1373 هـ في الهند وكانت مخطوطاته محفوظة في مكتبات "إكسفورد " وباريس . واستانبول وألمانيا ومكتبة المتحف البريطاني في لندن ومكتبة دار الكتب المصرية احتوي هذا الكتاب علي ثلاثة أجزاء والتي تضم ألف وخمسمائة صفحة وقسمه البيروني إلي أحدي عشرة مقالة تحوي كل مقالة عدداً من الأبواب وقد لاقي هذا المرجع الضخم إعجاب العلماء علي مر العصور حيث استفادوا من معلوماته وظل مرجعاً مهماً يدرس في جامعات أوربا هو وغيره من مؤلفات البيروني " ودان له العلم الحديث بالفضل حتى إن المستشرق "سخاو" قال عنه : إن البيروني من أضخم العقول التي ظهرت في العالم وإنه أعظم علماء عصره ومن أعظم العلماء في كل العصور .  وقال عنه العالم ، ماكس مايرهوف : إن اسم البيروني أبرز اسم في موكب العلماء الكبار واسعي الأفق الذين يمتاز بهم العصر الذهبي للإسلام .  أما المستشرق الأميركي "أربو بوب فقد قال عن البيروني : " في أي قائمة تحتوي أسماء أكابر العلماء يجب أن يكون لاسم البيروني مكانة الرفيع ومن المستحيل أن يكتمل أي بحث للرياضيات والفلك أو الجغرافيا أو علم الإنسان أو المعارف دون الإقرار بإسهاماته العظيمة في كل علم من تلك العلوم ".
_____________________________
نشر بمجلة براعم الإيمان الكويتية- العدد324
_____________________________


(الخوارزمـــي ) مؤسـس علم الجبر
هو محمد بن موسى الخوارزمي ، أقام في بغداد في عصر الخليفة المأمون في القرن الثامن الميلادي ، ولم يذكر المؤرخون السنة التي ولد فيها هذا العالم الكبير الذي ظهرت عليه علامات النبوغ والذكاء منذ صغره ، فقرأ في شتى العلوم حتى نبغ في علوم الرياضيات والفلك والجغرافيا . وكان الخوارزمي يدرك أهمية علم الرياضيات لحاجة المسلمين للحساب يحسبون به الأيام والأشهر والفصول والسنين والمقادير ويرصدون الفلك في السماء وغير ذلك من أمور حياتهم ... ولما أعجب الخليفة المأمون بنبوغ الخوارزمي ولاه أمانه " بيت الحكمة " ووفر له المال والعتاد والخدم وكل سبل الراحة ليتفرغ للبحث العلمي وتعليم الطلاب ويرجع الفضل للخوارزمي في تأسيس علم الجبر فهو أول من استخدم كلمة جبر ووضع مبادئ أسس هذا العلم وهو مبتكر حساب " اللوغاريتمات " واستخدام التعبيرات الجبرية وحل معادلات الدرجة الثانية الجبرية واستخدام كلمة أصم لتدل علي العدد الذي لا جذر له، ومازالت معادلاته الجبرية تدرس حتى الآن مثل : س25=24 ،2س+5= س2. ألف الخوارزمي الكثير من الكتب أهمها كتاب " الجبر والمقابلة " وكتاب " صورة الأرض " وكتاب " العمل بالإسطرلاب " وكتب أخري كثيرة ، وظل كتاب الجبر والمقابلة مرجعا علميا للعلماء والباحثين في الرياضيات ترجم إلي اللاتينية ونشر في لندن العام 1831 م ، وترجم إلي لغات أخري لأهميته وظل علم الحساب زمنا طويلا في أوروبا معروفا باسم " الغورتمي " نسبة إلي الخوارزمي يقول العالم الشهير " كاجورى " : " إن العقل ليدهش عندما يرى ما عمله العرب في الجبر وهم أول من أطلق لفظ جبر علي العلم المعروف الآن بهذا الاسم ،وعنهم أخذ الإفرنج هذا الاسم (ALGEBRA) " ومازال العالم يدين بالفضل للخوارزمي الذي أخلص للعلم الذي عشقه فاقترن اسمه به حتى يومنا هذا .
___________________________
نشر بمجلة براعم الإيمان الكويتية- العدد312
____________________________


               ( الإدريـسـي )  رائد علم الجغرافيا
هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس " المعروف بالإدريسي " ولد في سبته بالمغرب عام 493هـ ، وعاش نحوا من سبعين عاماً ، حفظ القرآن الكريم منذ صباه وقرأ في علوم اللغة والفقه والحديث واستهواه السفر والرحلات فسافر إلى قرطبة بالأندلس وظل ينهل من علمائها ويتأمل في طبيعتها الجذابة من جبال وأنهار ونباتات ، ومن الأندلس سافر إلى فرنسا ثم عبر البحر فوصل إلى انكلترا (انجلترا) ، وظل يطوف بلاد العالم شرقاً وغرباً وعندما وصل إلى صقلية قابله ملكها " روجر الثاني " وطلب إليه البقاء بصقلية لسيتفيد من علمه وخبرته بالشعوب ، ومن أوصاف أرضها ، ووفر له ملك صقلية كل ما يحتاجه لرسم خريطة للعالم آنذاك ، وأشرف الإدريسي على أول بعثه علمية أرسلها تجوب الأرض ، وتمكن الإدريسي من رسم خريطة صحيحة للعالم موضحاً عليها أقاليم العالم السبعة ببحارها وأنهارها وجبالها ، واستخدم خطوط الطول ودوائر العرض لتوضيح مواقع البلدان وأطوالها ، وعندما أعجب الملك بخريطة الإدريسي طلب إليه رسمها على كرة ضخمة من الفضة الخالصة ، فأشرف الإدريسي على الصناع والمهرة في صناعة الكرة الأرضية الفضية . ثم نقش عليها أقاليم العالم السبعة .ألف الإدريسي كتباً كثيرة أهمها كتاب " نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق " ودون فيه رحلاته وكتاباته عن العالم وزود كتابه بأكثر من سبعين خريطة ، وألف كتاب " صفة بلاد المغرب " وكتاب " روض الأنس فى نزهة النفس " وكتاب " المسالك والممالك " وله كتاب مهم في علم النبات اسمه " الجامع لصفات أشتات النبات " وأورد فيه أسماء النباتات والمعادن والأحجار الكريمة واستخدامها في التداوى . ترجمت كتب الإدريسي إلى لغات أجنبية كثيرة وطبع كتابه " نزهة المشتاق في اختراق الأفاق " في روما بإيطاليا في نهاية القرن السادس عشر وظل مرجعاً علمياً استفادت منه أوربا مدة ثلاثة قرون كاملة .
________________________
نشر بمجلة براعم الإيمان الكويتية- العدد303
__________________________


( ابن بطوطة ) أول رحالة يجوب الأرض
هو محمد بن عبد الله بن إبراهيم اللواتي الطنجي ، ولد في مدينة طنجه بالمغرب العام 703هـ ، وعاش نحواً من ستة وسبعين عاماً ، شغف بالعلم منذ صباه ، فقرأ كثيراً في علوم الجغرافيا والأدب والتفسير والفقه ، ودرس في جامع القرويين في فاس . وعندما بلغ العشرين من عمره ، قرر أداء فريضة الحج ، ومنذ هذه الرحلة ، إلى بيت الله الحرام ، استهواه السفر ، فظل يجوب الأرض مدة طويلة استغرقت ثلاثين عاماً ، وظل يدون كل ما يشاهده من الأحوال السياسية والاقتصادية ، وعادات الشعوب ودياناتها ، وأطعمتها ، وكل ما تقع عليه عينه فى البلاد التي جابها ، واستخدم في رحلته وسائل المواصلات البدائية في ذلك الزمن ، كالدواب والسفن الشراعية ، ولم يعبأ بما كان يلاقيه من أخطار فى رحلاته . بدأ رحلاته بالحج إلى بيت الله الحرام العام 725هـ فاتجه من شمال أفريقيا إلي صعيد مصر ، ثم إلى البحر الأحمر حتى وصل إلى بلاد الشام وفلسطين ، ومنها إلي مكة . ومن مكة سافر إلى العراق ، ثم إلى إيران ، ثم عاد إلي مكة وقام برحله إلى جنوب الجزيرة العربية ، ثم إلى شرق أفريقيا ، ثم إلى خليج فارس " الخليج العربي حالياً " ، ثم عاد إلى مكة ورحل إلى آسيا الصغرى حتى وصل إلى القسطنطينية . ثم قام برحلة إلى خوارزم وبخارى وأفغانستان ، حتى وصل إلى الهند ، وقضى فيها ثماني سنوات ، حيث تولى القضاء بين الناس فى " دلهي " مدة عامين ، ثم رحل إلى الصين ، ووصل إلى جزيرة سيلان والبنغال ، ثم رجع إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج ، ومن ثم إلى شمال أفريقيا حتى دخل مدينة فاس ، ومنها رحل إلى غرناطة في بلاد الأندلس ، وظل يجوب الأرض طولا وعرضاً ، وقدر العلماء المسافة التي قطعها ابن بطوطة في رحلاته بما يزيد على 120000كم ماشيا على قدميه أو مستخدما الدواب والسفن في رحلاته بين البر والبحر . ترك لنا ابن بطوطة كتابه القيم " تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار " ، ودوَّن فيه كل ما شاهده ، وتُرجم هذا الكتاب إلى اللغات الأجنبية كالإنكليزية والفرنسية وتم نشره في أربعة مجلدات في باريس ومصر ، وأشاد الأوروبيون برحلة ابن بطوطة حتى إن العالم " بيشل " أطلق عليه " أبو الرحالة " ، وقد استفاد علم الجغرافيا من وصف ابن بطوطة لكثير من الأماكن الأفريقية والآسيوية المجهولة ، وبخاصة نهر النيجر ، وبلاد الزنج، وبلاد الهند، وسومطرة وغيرها من الأماكن التي كانت مجهولة في هذا العصر. لقد كان ابن بطوطة أمير الرحالة المسلمين والعجم ومكتشفاً عظيماً دان له العلم بالفضل زمناً طويلاً .
___________________________
نشر بمجلة براعم الإيمان الكويتية- العدد302
____________________________
        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق