ساعة بن يونس المصري |
مراحل صناعة الورق |
اختراعات عربية أفادت البشرية
كتبها :الطيب أديب
بلغت الحضارة الإسلامية درجة عالية من الرقي، وأثمرت عن اختراعات واكتشافات كثيرة، أفادت العالم وأسهمت في التقدم التكنولوجي الذي يعيشه العالم الآن ، وهنا نلقي الضوء حول عدد من هذه الاختراعات والاكتشافات التي توصل إليها أجدادنا قبل غيرهم لندرك عظمتهم وننهج نهجهم .
___________________________________
نشرت هذه الموضوعات في مجلة براعم الإيمان-ملحق مجلة الوعي الإسلامي الكويتية في أعداد متفرقة.
____________________________________
الســاعة
عرف الإنسان منذ زمن بعيد الوقت باستخدام المزولة . وهى عبارة عن عصا مستقيمة تنصب على سطح أفقي ويتغير ظل العصا بتغير مسار الشمس ويتم تحديد الساعة حسب طول ظل العصا ، إلا أن هذه الساعة كانت تتوقف عندما تغيب الشمس ليلا أو عندما يكون الجو ملبدا بالغيوم نهاراً .
وظلت هذه الطريقة في تحديد الوقت مستخدمة حتى العصور الوسطي وخصوصاً في بلاد اليونان والرومان والعرب ، بعد ذلك ظهرت الساعات المائية والرملية ، حيث يتم قياس مدة محددة من الزمن عن طريق تساقط الماء أو الرمل . أما في العصر الإسلامي فقد تطورت صناعة الساعات لحاجة المسلمين لتحديد أوقات الصلاة والقيام بالإعمال الفلكية المختلفة ، فاخترع المسلمون نوعين من الساعات المائية الدقاقة ، الأول : نوع كبير الحجم داخل غرفة كبيرة ، والثاني : صغير يمكن نقله من مكان إلى أخر يسمى صندوق الساعة مثل الساعة التي أهداها الخليفة " هارون الرشيد " لـ "شارلمان" ملك فرنسا سنة ( 742 – 812م ) وهى ساعة مائية دقاقة صنعت من الجلد والنحاس الأصفر المنقوش ، وكانت تشير إلى الوقت عن طريق فرسان من المعدن يفتحون كل ساعة باباً من أبوابها يسقط من الباب العدد المطلوب من الكرات على صنجة ... ثم ينسحبون ويغلقون الباب ، وهذه الساعة أدهشت ملك فرنسا وحاشيته ، فظنوا أن في داخلها عفاريت يقومون بتحريك أجزائها لتدق فى الوقت المناسب . وانتشرت الساعات المائية الدقاقة في ربوع الدولة الإسلامية وقصدها الزوار والرحالة من كل صوب وعدوها من عجائب الدنيا في ذلك العصر . أشهر هذه الساعات ساعة باب "جيرون" وهو الباب الثاني للمسجد الأموي في دمشق وهذه الساعة صنعها " رضوان بن محمد الساعاتي " كما صنع " ابن الرزاز الحزري " ساعة أخرى رائعة ، وانتشرت صناعة الساعات في بغداد ومصر وتونس والمغرب وغيرها .... وتطورت صناعة الساعات على يد " على بن إبراهيم " الشهير بـ " ابن الشاطر " الذى حولها من ساعات مائية خشبية إلى ساعات ميكانيكية معدنية وتمكن " ابن الشاطر " من صناعة ساعة صغيرة لا تزيد عن 30سم تدار بالآلات المعدنية . وقفزت تكنولوجيا الساعات فى البلاد الإسلامية آنذاك على يد " ابن يونس المصري " الذي اخترع البندول " رقاص الساعة " والذي استخدم لحساب الفترات الزمنية ، وبذلك سبق المسلمون " جاليليو " الإيطالي بنحو ستة قرون فى اختراع البندول واستعماله في الساعات الدقاقة . وأعترف " جورج سارتون " و " سدويك " بأن العرب أول من استعملوا " الرقاص لقياس الزمن وقال العالم الأميركي "سميث " ، ومع أن قانون الرقاص هو من وضع " جاليليو" إلا أن " كمال الدين بن يونس " لاحظه وسبقه في معرفته ... وظل المسلمون يحسنون صناعة الساعات ويختصرون حجمها حتى تمكنوا من صناعة ساعة حائط لا يزيد حجمها عن نصف ذراع ، ونقل الأوروبيون صناعة الساعات عن المسلمين وظلوا يدخلون عليها التحسينات حتى وصلت إلى ماهي عليه الآن .
_____________________________
نشر بمجلة براعم الإيمان الكويتية –العدد 340
_____________________________
الأرقـــام العربيــة
أستعمل العرب قبل الإسلام حروف الهجاء للدلالة على الأعداد واستخدموا الحرف الأول من كلمات الأعداد في كتابتها فحرف (خ) يدل على العدد خمسه وحرف (ع) يدل على العدد عشرة وهكذا .... ثم تطور هذا النظام فوضع العرب الأعداد على ترتيب حروف اللغة العربية ، فاستخدموا الترقيم الأبجدي ، الذى عرف بنظام "أبجد" أو حساب الجمل ، وفيه يرمز كل حرف إلى رقم خاص يدل عليه كما فى المثال التالي :
أ
|
ب
|
ج
|
د
|
1
|
2
|
3
|
4
|
أما الحروف التالية فرمزوا إليها بهذه الأرقام :
ض
|
ظ
|
غ
|
800
|
900
|
1000
|
ورمز العرب للأعداد التى تزيد عن الألف بضم الحروف إلى بعضها بعضاً كما يلى :
بغ
|
جغ
|
دغ
| |
2000
|
3000
|
4000
|
وهكذا......
|
وعندما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية وسيطر العرب على التجارة العالمية ، وازدهرت تجارتهم ، وظهرت حاجتهم لحساب الأرباح والمكاييل والموازين ، وغير ذلك ، فراحوا يطورون طرق الحساب ، فترجموا كتب ومؤلفات الحضارات السابقة في علم الحساب والجبر والهندسة وحساب المثلثات ، واستوعبوها جيدا ، وأضافوا إليها إضافات عظيمة ، أثمرت عن ابتكار الأرقام العربية ، والكسور العشرية التي نقلها عنهم علماء الغرب وأوجد المسلمون صورتين من الأرقام هما :
الأرقام العربية : 1 2 3 4 5
الأرقام الهندية : 1 2 3 4 5
وتعرف الأرقام العربية كذلك بالأرقام الغبارية ، التى انتشر استعمالها في شمال أفريقيا والأندلس ، ووصلت إلى أوربا عن طريق الأندلس وسميت بالأرقام الغبارية لأنها كانت تكتب على لوح مغطاة بطبقة رقيقة من التراب ، كما عرفت هذه الأرقام أيضا بالخوارزمية نسبة إلى عالم الرياضيات المسلم ( الخوارزمي ) وهذه الأرقام الغبارية مرتبة حسب الزوايا التي يضمها كل رقم فالرقم ( 1 ) يضم زاوية واحدة والرقم ( 2 ) يضم زاويتين وهكذا ، ثم حدث تعديل لهذه الأرقام حتى وصلت لشكلها الحالي الذي نعرفه .
أما سلسلة الأرقام الهندية التي أدخل العرب عليها الكثير من التعديلات ، فهي الأرقام المستخدمة حاليا في معظم الدول الإسلامية والعربية ، وكان لابتكار العرب " الصفر و الكسور العشرية " أعظم الأثر في استعمال الترقيم وإجراء العمليات الحسابية بسهولة ، إذ مكن ابتكار الصفر من حل المعادلات الرياضية من مختلف الدرجات ، وساعد في تقدم الرياضيات ، وقد نقل الأوروبيون الصفر عن العرب فكتبوه( chiffre و cipher ) إلى أن حوروه إلى (zero)
وقد عدد العلماء في الشرق والغرب مزايا الأرقام العربية أو الهندية التى ابتكرها المسلمون ومنها : اشتمال هذه الأرقام على الصفر كما أنها تقوم على أساس القيم الموضعية للأرقام بحيث يكتسب الرقم الواحد على قيمة مختلفة حسب موقعة ، فالرقم الذي يقع على اليمين يدل على الآحاد والذي يليه يدل على العشرات ، والذي يليه يدل على المئات ، وهكذا إضافة إلى أن هذه الأرقام تمكننا من تركيب أي عدد منها مهما كان كبيراً بخلاف الأرقام الرومانية ، التي كانت تحتاج إلى أشكال عديدة ومعقدة ، كما أن العرب قسموا الحساب العملي إلى( غباري ) يحتاج إلى ورقة وقلم عند إجراء العمليات الحسابية ، و( هوائي ) وهو حساب ذهني لا يحتاج إلى أدوات كتابية ، وذلك ما ساعد التجار العرب في أسفارهم وعامة الناس ممن لا يدركون القراءة والكتابة في إجراء عملياتهم الحسابية في سهولة ، لذلك أجمع العلماء على ان ابتكار الصفر والكسور العشرية إلى جانب الأرقام العربية ، من أعظم الاختراعات في تاريخ البشرية لأنها أدت إلى تقدم الرياضيات التي ساعدت على التقدم التكنولوجي الذي يعيشه العالم حاليا .
____________________________
نشربمجلة براعم الإيمان الكويتية-العدد 347
____________________________
البريـــد
أدرك أجدادنا المسلمون أهمية البريد القصوى في وقت السلم والحرب . فعبدوا الطرق وقسموها منازل أو محطات ، توجد في كل محطة دواب مهيأة تحمل رسائل الخليفة إلى مختلف الجهات ، فتسلم بالمركز الرئيس لصاحب البريد ، الذي يمضى بها مسرعا حتى إذا وصل إلى أول محطة ، سلمها للمكلف فيها بالبريد ، ليقوم بوظيفته كالأول ، وبذلك كانت تصل الرسائل إلى الأمراء والعمال فى أسرع وقت ، وكانت المسافة بين كل محطتين تبلغ أربعة فراسخ ، أو اثني عشر ميلا ، وهذه المسافة سميت بريدا ، وأول من ابتكر البريد هو الخليفة معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهما ، لرغبته في سرعة وصول الأخبار إلى أرجاء الدولة الإسلامية الواسعة ، وقد خصص أبو عبد الله المهدي للبريد إبلا لا تحصى ، وفى عهد العباسيين كان البريد مخصصا لأعمال الحكومة . ومن طرائف ما يحكى عن سرعة وصول الرسائل ، أن حمل البريد إلى الخليفة المأمون ثماراً طازجة كأنها جنيت في ساعتها . أرسلت إليه من " كابل " عاصمة أفغانستان الحالية بينما كان الخليفة واليا على " خراسان " . وحينما فتح جوهر الصقلي " مراكش " المغرب حاليا في عهد المعز الفاطمي ، وبلغ المحيط الأطلنطي ، أرسل إليه من هناك سمكاً في زجاجة ليثبت له وصول ملكه إلى المحيط . وفى القرن الخامس الميلادي حتى القرن الثامن الميلادي ، ظهرت جماعة في مصر السفلى من حملة الرسائل السريعة أطلق عليهم " سيماكوى " فكانت الرسائل تصل من الإسكندرية إلى سبته بالمغرب في ليله واحدة ومن طرابلس في ليبيا إلى الإسكندرية في ثلاث ساعات .كما استخدم المسلمون الحمام الزاجل في نقل البريد ، وخطوا في ذلك خطوات واسعة ، وقد اهتدى المسلمون إلى البريد قبل غيرهم من الشعوب ، فأحسنوا إدارته وتنظيمه ، إلى حد إعجاب الشعوب الأخرى بما وصل إليه المسلمون ، فنقلوا عنهم هذه المصلحة التي أفادت العالم وظل البريد يتطور بتطور وسائل المواصلات والتقدم التكنولوجي حتى وصل إلى ما نحن عليه الآن .
______________________________
نشر بمجلة براعم الإيمان الكويتية –العدد344
______________________________
جــواز السـفـر
عندما يتسلل الغرباء الأجانب إلى دولة ما خلسة ويتغلغلون في أرجائها ويتتبعون خفاياها وأسرارها ، يشكل ذلك أمراً خطيراً يهدد كيان الدولة التي تغلغلوا فيها وزلزلوا استقرارها ، وقد ابتليت كثير من الدول بهذا البلاء في العصور القديمة والحديثة .. وأدرك أجدادنا المسلمون خطورة هذا الأمر فحرصوا كل الحرص على تفادى هذا البلاء بابتكار وثيقة سفر يحملها كل شخص يدخل أرجاء الدولة ، وهذه الوثيقة عرفت باسم " جواز السفر " أو صك المسافر كما سموها . لم تكن الشعوب تعرف استخدام " جواز السفر " إلا نقلا عن المسلمين ، ففي عهد أمير المؤمنين " عمر بن الخطاب " رضي الله عنه منع السفر إلى أرجاء الدولة إلا بإذن منه لمدة معينة ، وبوثيقة موقعة بخط يده ، إذ رأى أن الدسائس والفتن بدأت تدخل على المسلمين ، بعد تلك الفترة عرف " جواز السفر " الذي يحمله كل من يدخل بلداً أجنبيا وانتشرت هذه الوثائق في جميع البلدان الإسلامية ، ففي مصر عرف " جواز السفر " في المائة الثانية للهجرة في عهد " الطولونيين " فكان لا يخرج من مصر احد إلا " بجواز سفره " وصممت الجوازات لانتقال الأفراد من مدينة إلى أخرى أو من مصر إلى خارجها . وفى مدينة " شيراز" أصدر السلطان " عضد الدولة البويهي " في العام 372هـ ، مرسوماً يقضى بمراقبة أبواب المدينة ، ووصف ذلك أحد المؤرخين قائلا : " ومنع الخارج منها إلا " بجواز سفر " وحبس الداخل والمجتاز ، وقد عثر المستشرق " جرهمان " على "جوازي سفر " استخدما داخليين في مصر كتبا باللغة العربية على ورق البردى فوجد تاريخهما يرجع إلى المائة الثانية للهجرة ، وكتبهما بعض عمال الأمير " عبد الله بن الحجاب " وفى أعلى الجواز كتبت البسملة ، ثم كاتب الجواز ، واسم الشخص ، وموطنة ، ومدة إقامته ، وسببها ، وتاريخها ، وقد أرسى ابتكار جواز السفر الأمن والاستقرار في ربوع البلاد الإسلامية ونقلته شعوب العالم عن المسلمين وظل " جواز السفر " يتطور حتى أصبح في شكله الحالي كما نراه اليوم .
_________________________________
نشر بمجلة براعم الإيمان الكويتية –العدد342
________________________________
أقـــلام الحبـر
قبل اختراع أقلام الحبر ، استخدم الكتاب أقلاما مبرية من البوص والقصب ، يمسك الكاتب القلم ويغمس سنه الرفيعة ، في مداد من الهباب الأسود أو فحم الخشب الممزوج بالماء والصمغ ومن ثم يكتب ، وسادت هذه الطريقة زمنا طويلا .
وهذه الطريقة البدائية لم تعجب الخليفة " المعز لدين الله الفاطمي " الذي فكر في اختراع قلم مدادي يستغنى عن الدواة فيحمل كمية وافره من الحبر في جوفه ، وقد روى لنا القاضي "النعمان بن محمد" في كتابه " المجالس والمسامرات " فقال : ذكر الإمام " المعز لدين الله " القلم فوصف فضله ، ورمز فيه إلى باطن العلم ، ثم قال : نريد أن نعمل قلما يكتب به بلا استمداد من دواة ، بحيث يكون مداده في داخلة ، فمتى شاء كتب به ، فأمد الكاتب وكتب به ما شاء ومتى شاء تركه فارتفع المداد . وكان يريد أن يكون القلم ناشف بحيث يجعله الكاتب في كمه ، أو حيث يشاء فلا يؤثر فيه ولا يرشح شيء من المداد عنه ، لا يكون ذلك إلا عندما يبتغي منه ويراد الكتابة فيكون له عجيبة لم نعلم أن سبقنا إليها أو دليلاً على حكمة بالغة لمن تأملها وعرف وجه المعنى فيها فقلت : ويكون هذا يا مولانا عليك سلام الله ؟ قال : يكون إن شاء الله . فما مر بعد ذلك إلا أيام قلائل حتى جاء الصانع الذي وصف له الصنعة به معمولا من ذهب ، فأودعه المداد وكتب به فكتب ، وزاد شيئا من المداد على مقدار الحاجة ، فأمر بإصلاح شيء منه فأصلحه . وجاء به فإذا هو قلم يقلب في اليد ، ويميل إلى كل ناحية فلا يبدو منه شيء من المداد ، فإذا أخذه الكاتب وكتب به ، كتب أحسن كتابه ، ما شاء الله أن يكتب ، ثم إذا رفعه عن الكتاب أمسك المداد ، فرأيت صنعه عجيبة لم أكن أظن أنى رأيت مثلها . ومن هذه الرواية التي ذكرها القاضي النعمان والوصف الدقيق لقلم الحبر الذي صنع بناء على رغبة " المعز لدين الله الفاطمي " ندرك أن قلم الحبر لم يكن معروفا قبل عهد الفاطميين ، وأن الأمراء المسلمين حرصوا كل الحرص على نشر العلم وابتكار أدواته التي تساعد العلماء وطلاب العلم في سرعة تحصيل العلوم ، ونشر الفكر في جميع أرجاء الدنيا ، وانتشر استخدام أقلام الحبر في كل بقاع الأرض بعد أن نقلته الشعوب عن المسلمين ، وظلوا يدخلون عليه التحسينات حتى وصل إلى ما نحن عليه الآن .
_____________________________
نشر بمجلة براعم الإيمان الكويتية –العدد341
______________________________