من أبطال الإسلام:
عبد الرحمن الداخل .."صقر قريش"
بقلم: الطيب أديب
**********
تدهورت أحوال دولة بني أمية بعد موت آخر
خلفائها العظام ، هشام بن عبد الملك ، الذي حكمها بالعدل والحكمة ورفع راية الجهاد
وحافظ على ملك أجداده ، الذي امتد من حدود بلاد الصين شرقا حتى الأندلس غرباً ،
وخلف هشام بن عبد الملك جيل من الأمراء أهملوا شئون الجيش وقاتل بعضهم بعضا ودبت
الفتن وكثرت الخلافات فانهارت الدولة ، وزحف رجال بني العباس فأسسوا دولة جديدة ورفعوا
رايتهم على "مرو" سنة 132هـ
واتخذوا من بغداد عاصمة لخلافتهم العباسية .
وقام العباسيون بقتل كل من بقي عل قيد
الحياة من بني أمية ، أما عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الذي ولد سنة
113هـ ، فاستخفى عن عيون بني العباس في بلدة صغيرة على نهر الفرات ، ولكن عيون بني
العباس لحقته فطاردته خيولهم ، فأسرع هو وأخيه فنزلا في نهر الفرات وظلا يسبحان
فيه، غير أن أخاه أعياه التعب فرجع للشاطئ فتلقفته جنود العباسيين وقطعوا رأسه على
مرأى من أخيه عبد الرحمن الذي أسرع فعبر النهر وتخفى عن أعين بني العباس، واستطاع
أن يجتاز بلاد الشام مخترقا فلسطين ومصر وبرقة .وهناك تنفس الصعداء لأول مرة ،
ونزل عند أخواله بني " نفزة " من برابرة طرابلس وأقام عندهم عبد الرحمن
مدة طويلة يتحين الفرص وبينما هو كذلك ، أرسلت إليه أخته " أم الإصبع "
مولياه بدر وسالم يحملان معهما بعض المال والجواهر لتعينه على استكمال مهمته، فرحل
معهما حتى وصل للمغرب الأقصى،وأقام فترة عند أحد شيوخ البربر، حتى نجا من مطاردة
" عبد الرحمن بن حبيب " والي أفريقية من قبل العباسيين .
وظل عبد الرحمن يتحين الفرص للوصول إلى
الأندلس التي مزقتها الفتن والحروب بين طوائفها المتناحرة على الملك ، وكانت
الأندلس لا تزال تابعة للخلافة الأموية ، فأرسل مولاه بدرا إلى الأندلس في أواخر
سنة 136هـ /753م ليستطلع له الأمر ولينشر دعوته بين أنصار بني أمية، فنزل بدر ساحل
"البيرة" وهناك رحب أنصار بني
أمية بدعوة عبد الرحمن، وأرسلوا سفنهم إلى الشاطئ الآخر لتنقل عبد الرحمن من
المغرب إلى جنوب الأندلس التي مزقتها الفتن، وما أن وصل عبد الرحمن الداخل إلى
المنكب جنوب الأندلس حتى انضم إليه أنصار بني أمية، وراح يستولي على مدن البلاد
واحدة تلو الأخرى حتى وصل قرطبة عاصمة الأندلس وهزم حاكمها العباسي ( يوسف الفهري
) سنة 141هـ/756م ،وأعلن نفسه أميرا على الأندلس التي بدأت عصرا جديدا بعد أن أخمد
عبد الرحمن الفتن التي نشبت بين القبائل العربية ، وأصدر عفوا عاما عن المتخاصمين
وجمع شملهم ، وبينما هو كذلك ، أرسل الخليفة أبو جعفر المنصور جيشا جرارا بقيادة
العلاء بين المغيث لاسترداد الأندلس وتعيين بين المغيث واليا عليها ، فتصدى له جيش
عبد الرحمن سنة 6 14هـ/761م وهزمه وقتل بن المغيث ، ولما وصل خبر هزيمة جيش العلاء
بن المغيث وانتصار عبد الرحمن ، اجتمع الخليفة أبو جعفر المنصور مع أصحابه وقال
لهم : اخبروني عن صقر قريش من هو ..؟
قــالوا : أمير المؤمنين الذي راض الملك
، وسكن الزلازل وقسم الأدواء، وأباد الأعداء .
قـــال : ما صنعتم شيئا .
قــالوا : فمعــاوية .
قـــال : ولا هــــذا .
قــالوا : فعبد الملك بن مروان .
قـــال : ولا هــــذا .
قــالوا : فمن يا أمير المؤمنين ؟
قـــال : عبد الرحمن بن معاوية ، الذي
عبر البحر ، وقطع القفر ، ودخل بلدا أعجميا مفردا، فمصر الأمصار ، وجند الأجناد ،
ودون الدواوين ، وأقام ملكا بعد انقطاعه بحسن تدبيره وشدة شكيمته .
واستعاد عبد الرحمن الداخل ( صقر قريش )
ملك بني أمية في الأندلس واستقر في قرطبة ووحد الجيش وأنشأ الدواوين وبنا المساجد
والقصور وازدهرت الحقول وانتشرت الصناعات وعبدت الطرقات وانتشر العدل في ربوعها ،
وكان ينظر بنفسه في المظالم لينصف الضعيف من القوي، لأنه يعلم جيدا أن العدل أساس
الملك، وأصبحت الأندلس في عهده الذي استمر ثلاثا وثلاثين سنة، واحة مزدهرة بالحقول
الخضراء ومجالس العلم والأدب التي أضاءت جنبات أوربا دهرا طويلا .
=======================
من مجموعة : ( أبطال الإسلام)-صدرت عن
شركة جنى للنشر-القاهرة 2010م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق